من هو القائد؟ سؤال يئن تحت وطأة إجابته كثيرون وقد وقعت منهم طيّ النسيان. مثل هؤلاء الغافلون، سوف لن يجدوا من بينهم، ولا من أمامهم ومن خلفهم، أحداً على قيادتهم حقّ الكلمة، وسوف ينتبهون عاجلاً أم آجلاً الى أنهم لم يكونوا إلا في طاعة أمانيهم وحدها. وهل للأماني جسماً آخر تُلبسه غير الوهم؟ للغفلة أن تتولى أمرها الذكرى، هذا إن انتفعت بها النفوس. أما إن صدّ عنها مرضُها، فليس لهذه النفوس من بعد ذلك جسمٌ ترجع إليه. بل هي في شتات بعيد. أما في مقام الذكرى، فعلى أقدامها تستقيم الكلماتُ عنيدةً لا حركات تُثنيها عن وقفة، ولا سكنات تمنعها عن حركة. وفي شأن خطير مثل القيادة، فللكلام أن يدفع بعضه بعضاً حتى يملأ ساحة المعنى عن آخرها. فالقيادة حكمة تعضدها شجاعة دائمة في الموقف وفي المسؤولية عن هذا الموقف مهما كانت تبعاتُه قاسية على الجميع. ليست القيادة مركزاً شاغراً ينتظر أن يشغله أحد، ولا سيفاً يستلّه غمْرٌ وهو يظن أنّ في غمده جاه وسلطة، ولا هي قضية تُمتشق حيناً ويلقى بها حيناً آخر. القيادة سلطة تُعطى لقضية ويكون عليها حارسٌ أمين. والقيادة ذاكرة جماعية تستقر في طبقات اللحم والدم. لا يطلبها طالبٌ بل تأتي هي إلى مطلوب. القائد لا يَنهزم حين يُهزَم، ولا يَنتصر حين يُنصَر. يَفهم الناس أكثر من أنفسهم، في قربه أمن وأمان، وفي البُعْد عنه خطر وافتتان. القائد من يفتح في كل جدار باباً، ومن يُشعل بحجارة اليأس فتيل الأمل، ومن يَصمد في مكانه حين تنهار الأرض من حوله، وهو من يعلم حدود قوّته وأطراف سطوته؛ فلا يُرسل كلاماً على صهوة الريح، ولا يرجع من معركة بلا حساب. القيادة اختبار يوميّ عصيب مُخضّب بالاخفاقات والنجاحات، وبالتطلّعات والانجراحات، وليست عملاً موسميّاً أو مهمة طارئة. فالقائد الحقيقي نقطة على سطر التاريخ لا فاصلة عابرة بين زمنين.