بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

3 تموز 2020 12:00ص نشيد الدولار!

حجم الخط
ارتفعْ يا دولار وحلّق عالياً ما شئت، ليرتُنا هنا على الأرض جاثيةٌ. خذْ مجدَك بالصعود قدْر منالك منّا، واتركْ لخيبتنا ملءَ سقوطها الحرّ. كنتَ يا دولار نبتةً غريبةً في حقلنا الصغير اعتدْنا على شوْكها؛ نزرعُك ونقطُفك بلحْم أيدينا، ووخزُك الخفيف لا يؤذينا. فأصبحت نسراً جائعاً يهْجِمُ في كل يومٍ على خرافنا القليلة. 

كأنّ القطيعَ لم تكْفِه ذئابُه المستشرسَة، ولا كلابُه المرتدّة، ولا عشبُه المسروق من فَمِ الصّخر. فالرعاة يا دولار مثلكَ في الأعالي؛ يلبسَون السّحاب، يسكرون بالنجوم، ويتحرّشون بالقمر. على رسْلِك يا دولار، يا شجرةً خضراء حلّت مكان أرزنا بين ضفّتين للدم وبياضٍ في الذاكرة. إنْ يلحقوك فأنت السبّاق وهم «الشطّار»، أنت السيفُ البتّار وهم الغِمْدُ. 

وإن عجزوا فلأنّ مخالبَ القطّ لا تجرحُ الهواء. فإمضِ في سهمِك النمرود، وحطّم فوق رؤوسنا كلَّ سقوفنِا كي تصير الهاويةُ أقربَ إلينا. إن فتكْتَ بنا يا دولار فهذا شأن الأقوياء، وإن خفضْتَ جناحيك قليلاً، فلَكَ الحنينُ على ما مضى فيك وما يرجعُ منك. كنتَ سهرةَ المساءِ على ضفاف الحداثة، عُرسَ الحبيبيْن في الأسطورة، شفيع المَديْنِ في سماء الأشياء البعيدة، وقرنيْ المواطن المقهور في الانتخابات. كنتَ.. وكنّا معك: رفيقيْن على درْب الحَسَد الأبديّ، فأصبحت القاتلَ وأمسيْنا القتيلَ. 

أغرتنا وداعتُك فينا ثلاثين عاماً، فنِمْنا على ملمَسك الحرير كخرافٍ مطمئنة، فإذا بك نصلٌ يقطعُ منّا الشرايينَ. وكنا نشتري الأحلامَ لنحلُم بها على صراطك المستقيم، فإذا بك متاهةُ الليل في رغيف المحكومين وضلال النّهار في سيرة الحاكمين. أشياءَ كثيرة قالوا عنك: تبخرْتَ، هرَبتَ، مُنِعْتَ، صودِرتَ، احتُكِرْت. فهل حقاً شَحّ منك البلد أم عنهُ أشحْتَ وجهَكْ؟ أم أنّ أحداً أغوانا فيك فأخرجَكْ؟ تكلّم يا دولار، يا حارسَ الغبار بين أصابعنا. صمتُك ليلٌ طويل، في جيْبِه ضاعت ثرواتُنا كالأسرار القذرة فوق طاولات القمار. طبعُك الخيانة يا دولار، وحلمُك أوطانٌ تزحفُ على ركبتيْ جوعها وتطلبُ الاعتذار. 

بدّدت حياتنا كأنّ أعمارنا مسحةُ جبينٍ تحت شمسك الغاربة أو خيطٌ من دخان نارك الحارقة. انهش أكتافنا يا دولار، فسنحْزِم أرضَنا على بطوننا ونموت من طول الأعمار!

أخبار ذات صلة