بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

7 تشرين الأول 2021 12:00ص نفّخ عليها تنجلي!!

حجم الخط
قريباً من مقر وزارة التربية والتعليم العالي في محلة الأونيسكو.. رنَّ جوّالي مُعلناً عن اتصال من صديق أخ.. والساعة كانت على مشارف الثامنة صباحاً.. فارتبتُ للأمر وهو عادة لا يتصل قبل الساعة العاشرة صباحاً.. فاستدركتُ الأمر وسألت عن الحال والأحوال وسبب الاتصال.. فأبلغني بأنّه في الوزارة المذكورة سالفاً.. يوثّق شهاداته لأنّه حاز وظيفة في دولة شقيقة.. براتب زهيدٍ لكنّه بالعملة الصعبة.. وهو ما سيؤمّن لأسرته المتألّفة من أم وأب وأربع إخوة.. حياة شبه هنيئة في بلدنا «المشحّر»..

انتظرته ليُنهي أوراقه والتقينا.. وبعد السلام والكلام سألتُ عن سبب الهجرة المفاجئة.. وسر الغياب البعيد القريب عن أعين الأحبّة والأهل والأصدقاء.. فأجاب: «أتذكر يوم قال لنا «اللي مش عاجبوا يهاجر».. فها أنا ذا عند أوّل فرصة أُتيحت لي لأنتشل «كومة اللحم» من القحط والبهدلة.. سارعتُ إلى استغلالها ولو بمقابل يُعتبر جداً قليل.. بالنسبة إلى ما كان يتقاضاه اللبناني في الخارج.. لكن حالياً وبما أنّه بالدولار خلّيني جرّب.. حلّها تفرج»..

لم أعرف بماذا أُجيب أو ماذا يمكني أنّ أقول.. وهو في كل حرف خرج من بين شفتيه يتكلّم كلام صدق نزل على مسمعي «شهادة حق».. فإذ به يبادرني قائلاً: «قد أكون في البلد المتّجه إليه أقل أمناً من هنا.. وقد يكون الموت هناك أكثر فرصة منه للحياة.. لكن بما أنّ باب الأمل فتحته طاقات من موت.. التي لم أرها في بلدي بل عايشت جهنّم الذُل والهوان.. مع راتبٍ لا يكفي أجرة للنقليات أو الجزء اليسير من مُتطلّباتٍ مدرسية لأختٍ لم تكمل سنواتها الـ10 الأولى.. فأي خيار أسلم: جهنّم لبنان أو جنّة الخطر المُحدق لكنّه غير أكيد؟!»..

فما كان أمامي إلا أنْ استضفته على نفس نرجيلة.. كوب شاي ومشروحة زعتر على صاج «أم نزيه».. وقلت: لطالما كُنتُ أنهاك عن «التحشيش» (النرجيلة).. لكن أكاد أراني اليوم أدفعك إليها علّها تُسليك وتُنسيك بعضاً من واقعنا المأزوم فـ»نفّخ عليها تنجلي»..  


أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!