سمعتها تنعت ابنتها بـ»هبلة ومسّكوها طبلة».. وبعدما تقهقهتُ من وقع العبارة اللطيفة.. سألتها وماذا تقصدين بهذا النعت.. فقالت: «أنظر حولك راحت تلح وتلح حتى تساعدني.. وما أن أفسحتُ لها المجال حتى عاثت في المكان خراباً وفساداً.. مَثَلُهَا في واقعنا كمثل مَنْ يتحكّمون بأعناقنا.. ألحّوا وأصرّوا وبكوا واستنكفوا حتى يتسلّمون الحكم.. وما أنْ تمجلسوا على كراسيه حتى عاثوا فيه خراباً..
من 7.35 حتى 9.30 صباحاً حتى تمكنتُ من ملء خزان سيارتي بالوقود.. وما أنّ خرجتُ من الزحمة حتى وقعتُ في زحمة أخرى.. نتيجة تراص صفوف السيارات أمام محطة أخرى.. وطوال الطريق من المحطة إلى العمل.. والتي لا تبعد زمنياً أكثر من 15 دقيقة.. استغرقتُ لأصل 50 دقيقة.. وما أنْ وصلت حتى انطلقت الرحلة اليومية بحثاً عن مكان لركن السيارة.. لأنّ الأمن غاب واستوطنت مكانه الكراسي والعوائق والعوازل التي يضعها أصحاب المحال.. وأخيراً.. تيسّر لي موقع لأركن سيارتي.. لكن الكهرباء كانت قد انقطعت منذ حوالى 30 دقيقة.. والمولّد دخل مرحلة التقنين نتيجة لنفاد المازوت.. فلم يكن أمامي إلا رحلة الـAUTO 11.. فتسلقت الدرج إلى الطابق الخامس كالغزالة.. ولكن ما العمل ولا كهرباء ولا مولّد والحر انقضَّ على المكياج.. والصبحية خلف المكتب صارت على شرفته.. أشنّف أذنيَّ بـ»زمامير» السيارات اللطيفة و»شتائم» السائقين و»كفرياتهم» العنيفة.. وأتنشّق عوادم السيارات الصحية.. أما درب العودة فلا تكون أسهل أبداً.. لأنّني إذا ما أردتُ شراء أي شيء من أي سوبر ماركت.. تكون رحلة الوصول إليها محفوفة بمليون «مسبة وشتيمة».. لم تعرف لها أذناي أي معنى على مدى سنوات عمري.. لأتوقف أمام نافذة أحد المصارف أملاً بسحب ما سمحوا لي بأنْ أتسيسر به.. فإما أنْ أُذل بطابور طويل من المنتظرين ليس داخل المصرف.. بل أمام الـATM فأتعرّض لـ»عطسة هذا وسعال ذاك.. ورائحة هذا وقرف ذاك».. ناهيك عن أنّني إذا تمكّنتُ من سحب المال.. فإنّ الخوف كل الخوف من أنْ تنغرز سكين في خاصرتي قبل أن أبلغ سيارتي.. أو أنْ يلاحقني أحد قطّاع الطرق.. لأنّ الفقر سيطر وتمكن... وبعدك عم تسأل شو يعني: هبلة ومسّكوها طبلة».. أجبتها: «أفحمتيني.. شرح مستفيض.. عن سلطة حكمت فظلمت فأفقرت فجوّعت فقتلت»..