يضعُ الموت حداً لخيبة الإنسان ولجنون عظمته على السواء. وطالما لم يأتِ الموتُ بعد فالحياة هي المعجزة التي ينبغي ألا نغفل عنها في السراء والضراء. لا أحد يمنحنا الحياة سوى الله. فإن سلبها منك أحدٌ ظلماً وعدواناً، وكنت فيها مُحتسباً وصابراً، كان لك من بعدها كرةً أخرى. أما عدوّك فسيعلم عاجلاً أم آجلاً في أيّ منقلب سيكون. قد يسطو حاكمٌ على حياة شعب فيحوّلها إلى جحيم سنين عددا. لكنّ الحياة في النهاية تلفظه كمُضغةٍ في أفواه الناس. الصبر على الحياة باب عظيمٌ من أبوابها فادخله آمنا. وتذكّر أن الحياة جُعلت قوساً بين يديك؛ كلما شدَدْت وتَرَه أكثر انطلق سهمُك أبعد وأسرع. لكن احرص على هدف واضح تُصيبه. فإنّه لن يُعجزك ما أنت عاقدٌ عزمك عليه، وباذلٌ جهدك فيه، ومخلصٌ نيتك له، باذن الله. فلو أنك ذهبت راجلاً الى وجهتك أو راكباً ما حرفك ذلك عن بغيتك فتيلا. فالأشياء تبلغ إليك إذا خرجت لها حنوناً عليها وضنينا ًبها على ما يسوّله في نفسك الغرور أو ما يخلّيه عنك الكِبْرُ. وإن ضاق عليك العيش وقتّر على عيالك يوماً فارضَ بالأدنى إليك ثم الأدنى حتى تنزل إلى ساحة نفسك بريّاً من السخط وخليّاً من الحزَن. لك في الأرض قدمان فاسعَ بهما. ولك عليها يدان فابسطهما في خير تستصحبه أو في مَغبّة تستولي عليها. وامنح قلبك هجراً جميلاً إذا ما نأى عن زمانك الوطنُ أو نبا عن أخلاقك الأمرُ. واحرق سفنك اذا ما ألبسك السفرُ شاطئاً بعيداً. واحزم مركبك اذا ما حذا بك الظّعْن كلّ مفازة. الحياة نفسٌ أنتَ مبدّده. فلا تستبطئ شراً ولا تستعجل خيراً. وامضِِ سالماً إلى حيث تَسلَمُ روحك بسلامة عقلك وقرارة قلبك. فلا تجعل الأول قعراً خاوياً ولا الثاني سطحاً أملس.