يا الله! ماذا يجري؟ عبثٌ يقطر دماً؟ هل عاد القناصة الى صهوة مجدهم الغابر؟ هل صعدوا سطوح خيباتنا المتطاولة؟ وا لبناناه! أي مسرحية تلعب فوق ترابك الآن؟ أي مأساة تُسترجع من فوّهات النفوس كي يلبس وجهك اكثر الاقنعة سخرية؟ رخيص دمك يا وطني المقهور. رخيص إنسانك يا بلدي المنكوب. من يشعل النار فيك مجددا؟ من يوقظ الحرائق في كحل عينيك النحيل وفي أطراف ثوبك المرقّع؟ نحن الأبرياء في كيانك الغاصب والمغصوب من كل رجسٍ للتاريخ ومن كل دنسٍ للجغرافيا. نحن دمُكَ المفرّق بين القبائل والطوائف، ولحمك المقطّع فوق الموائد والولائم. لا حرب باسمنا عليك نحن العافين عن كل حرب علينا. نشهد لك ولا نشهد عليك. ننسبك إلينا حين ينكرك الجميع، ونتمسّك بك حين يقتسمك الجميع. لا نبيعك غصباً ولا نشتريك طوعاً. معك نموت من شدّة الأمل فيك، وبك نحيا من وطأة الموت عليك. اتخذناك أغنية يا وطني الصغير فسرقوا منا الكلمات وأفسدوا علينا اللحن. ألحنوا في القصيدة، وألحدوا في العقيدة، وأفسدوا في الأرض، وأورثوا الناس البغض والضغينة. لكننا بالتعقّل حاربنا نزاقتهم. وبالتجلُّد واجهنا ظلمهم. وبالإيمان رددنا عن قلوبنا كفرهم. لم يبقَ أمامهم سوى أن يهجموا عليك يا وطني المصلوب. أن يمزّقوا بأنيابهم أحلامك، وأن يبيعوا للتجّار جلدك.
سيحاصرونك أكثر يا وطني حتى تصير سجناً للأبرياء. وسيشعلون في قلبك الكبير كل نار حتى يعلو الرماد جبينك. وسيفترسون الخراف في حِماك حتى تشبع منها كل ذئابهم الجائعة.
سيوفهم عليك، وقلوبهم عليك، وأولادهم عليك، ونساؤهم عليك.
فاحذر يا وطني من ظلّهم اذا استلقيت، ومن جدرانهم اذا احتميت، ومن كلامهم إذا أصغيت، ومن وعودهم إذا تأمّلت.
أبرياؤك هم شعبك المتبقّي، فاحتمِ بهم واحمِهم بترابك. براءتك يا وطني المسكين سرّ بقائك.
فإيّاك أن تمنح نفسك للمجرمين.