بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

15 أيلول 2017 03:47م ... وكان الواتساب ثالثهما!

حجم الخط
ما عاد هناك من حديث بين الناس ولا بين الإنسان ونفسه غير ما يتصل بمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي أو تحديداً: الواتساب، فيسبوك، تويتر... وغيرها. يستوي في ذلك الصغار والكبار، المتعلّمون وغير المتعلّمين، بل حتى من هُم على أسرّة المرض في المنازل أو المستشفيات. ولكل واحد منهم سبب أو حاجة أو ربما فكرة يبتغيها، حتّى تقطّعت بهم السُبل في أرض الواقع، وصار ما يربط بينهم في العالم الافتراضي، مجرّد أخبار لقيطة من هنا وهناك، أو مقاطع فيديو يتبادلونها على عواهنها، أو معايدات محنّطة تُرسل للكلّ بضربة زر عمياء.
 
فكلّما اجتمع اثنان كان الواتساب ثالثهما أو ثلاثة كان الفيسبوك رابعهم أو خمسة كان تويتر سادسهم!
أحاديث الحياة الاعتيادية غابت تماماً أو تكاد. وعنوان «كيف الأحوال»؛ تاجُ الماضي المنزوع عن رأس اللقاءات اليوم، حلّت مكانه كيفيّات الهواتف النقّالة الأكثر ذكاءً وغلاءً واكتساحاً للجيوب، والبرامج التواصليّة المُستحدثة كل ٣ فصول من كل عام عبر إضافة أزرار جديدة تعمل بانتظام وتدرّج، على استنبات عادةٍ غريبة في جهازنا العصبيّ، وفي المقابل استئصال عادةٍ اجتماعية كانت راسخة فينا حتى ذلك الوقت. وكأننا في كل ذلك، قد تحولنا بغير وعي وبصيرة، إلى حقل خصب للتجارب التكنولوجية أو إلى ساحة مفتوحة على شتى الاحتمالات.
 
لا أحد يُطيق اليوم أن تُحدّثه في مواضيع عميقة أو ربما شائكة بعض الشيء لما تتطلّبه من تفكير وتركيز وتفريغ لبعض الوقت. ففي حضرة الواتساب أو الفيسبوك، المُستلقيان في حضن الكفّ المتوتّر باستمرار، تحت إشراف العين الثالثة التي تلتقط بحاسّتها السادسة كل إشارة ضوئية أو صوتية، لا وقت للتفكير وأخواته بتاتاً. فالحواس في عالم آخر، وما على العقل في هذه الحالة، إلا أن يأخذ إجازة طويلة!