بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

9 أيلول 2022 12:00ص وهوَتْ شجرة النخيل

حجم الخط
هوَتْ شجرة النخيل المعمّرة. ١٠٠ عام ونيّف. منارةُ الحيّ البيروتيّ الفريدة انطفأت خلسةً. سريعاً كان احتضارها. أبناء الحيّ هبّوا. كلٌ ليتفقد أشياءه الميّتة ونصيبه الزائل في الحديد. قلة منهم فكرت في الكائن الحيّ أو هالها مصير الشجرة الطيبة. بعضهم قال إنها ثقلت بما حملتْ من سنينها، فمالتْ ميلانها العظيم في أيام ثلاثة. بعضهم الآخر حمدالله على سلامة الناس والممتلكات ونسي الضحية. على شرفة في طابق علويّ نافسها على السماء علّقت ثوبها الموشح بالأخضر والبني قبل ان ترتطم بالأرض بقوة. ثمّة من زاحمها على الأرض حتى أخرجها  عنها عنوة. 
أولئك الذين يحملون قلوباً من اسمنت وحديد حوّلت بيروت إلى قبر حجري كبير، لم يغفروا لشجرة أنها حرّة، وأنها تتنفس فوق أنفاسهم. 
أحبوا أن يقطعوا جذعها وأن يكسروا أغصانها وأن يُسكتوا حفيفها. وعندما عجزوا أمام صرخات بعض أبناء الحيّ المعترضين، قرروا حصارها مهما كلفهم ذلك من وقت. من ذا الذي يملك الوقت؟! 
الباطون الأعمى المصبوب فوق الأرض كي تصعد عليه جثث السيارات كعارضات الاستغلال والفجور، وصل إلى عنق الشجرة. جذورها المسطورة في كتاب التراب العتيق بدأت تجفّ بعدما انقطع عنها وصول الماء كما ينبغي. كانت تعاني وحدها بصمت شديد وتشكو حالها للهواء حين يبرد وحين يسخن ولعاصفير الصباح المغامرة، ولزوار الليل الملثّمين. لكن أحداً لم يسأل عنها. تُركت لكلاب العقارات المتوحشة تنهش لحمها البضّ وتمزق جسدها الممشوق. وعندما انكسر ظلّها الوارف ذات صباح كئيب، وبدا للعيان أنها تقف على كعب هاوية سحيقة وأنها قاب قوسين أو أدنى من النزول عن صهوة الريح، بعد معارك نصر طويلة في صحراء الضمائر البشرية، اكتفى الناس بالتمتمة والهمهمة وسقط الكلام. فالناس مثل دولتهم. وكان المتاع هو الوحيد نصب أعينهم. أما الشجرة الطيّبة في بلد تمرّس أبناؤه وساكنوه على القطع والقطيعة والانقطاع بدل الغرس والزرع والسقاية، فلا محل لها من الإعراب، إذا كنا نكسر فتحة السماء، ونجزم حركة الأرض.
أخبار ذات صلة