8 سنوات انقضت وكأنّها الآن.. 8 سنوات لم تغب لحظة عن بالي ولو حتى خلال منامي.. 8 سنوات أذكركَ في صباحي ونهوضي في مسائي ورقودي.. في مأكلي وملبسي في نجاحاتي وإخفاقاتي.. في فرحي المنقوص وآلامي المترامية.. في كل وقت وحين أشعر أنّ عكّازي التي كانت تُهديني سواء السبيل.. قد هدّتها تصاريف الزمان فهويتُ تتلاطمني أمواج عمر أغبر..
8 سنوات يا أبتي كم أستذكر يومياً نصائحك.. وأتندّم على ما لم أُطعك به و«تجحشنت».. ولجأتُ إلى ما أملته عليَّ نفسي الأمّارة بما ليس في صالحي.. بل أستعيدُ كُلَّ ما كُنتَ تستقرئه لغدٍ أسود في بلد مجهول الهوية.. فتكادُ علاماتُ الشُكرِ لله ترتسمُ على مُحيّاي.. أنّك لم تر الأسى الذي استوطن يوميات أحبابِك.. وبدّل ملامح حتى الرضيع في مهده.. فاكتسى بالهم وتجرّع الغم.. وترعرع على الندم..
8 سنوات يا أبي تغيّرت معالم مدينتك التي تُحِب.. بل تبدّل مرفأ العاصمة الذي كان مرتع صِبَاك ورجولَتَك وكهولتك.. تغيّرتْ ملامِحُ الصخور المتداخلة مع الأبيض المتوسط.. لترسم سناسيل مرفأ بيروت بعنابره وإهراءاته ومراسيه وآليّاته.. وبقي الدمار رمزاً لشهداء أبرياء كل ذنبهم أنّهم وُلِدوا في بلد «حاميها حراميها»..
8 سنوات وسيف رحيلك كان جرّاراً.. اختطف الكثير من الأهل والأحباب.. فغرز استعجالهم الرحيل جمرات تُدمي الفؤاد كما غدرتنا الأيام وسرقتك من بيننا.. فتبعك الحاج سلمان وتلته الحاجّة أماني.. ثم الصفعة الأعظم برحيل حفيدك قُبيل أيام قلائل من ميلاده العشرين.. وفجر مولد النبي الأكرم.. فأقرأناه السلام إليكَ وإليهم يا أبتي.. «فتحي الحبيب» الذي اشتاقَ إليه «مالك الملك».. فعجّل باستعادة وديعته من بيننا.. كومضة برق بهرت العيون وحرقت القلوب وعمّقت الجِراح.. ولكن لا نقول إلا ما يُرضي الجبار في عُلاه..
8 سنوات أكاد لا أُحصيها لأنّها أصلاً على مرارها تكاد تكون لم تمر في حياتي.. فعقارب التاريخ توقفت ظهيرة الثامن عشر من كانون الأوّل 2018.. يوم أرجع «التُربي» الرمول إلى مرقدها.. وتعالت صيحات لا إله إلا الله.. ليقنع العقل بما تراه العين ويأبى القلب التصديق..