من دون مقدمات، «يوتيوب» يزعجني.. أو بالأحرى بات يزعجني. هذا النجم الأرضي الذي ترصده يوميا عشرات ملايين المشاهدات حول الكوكب، أصبح مختلفا. لم يعد بريئا كما كان من قبل (ربما لا يجدر به أن يكون كذلك!). لم يعد مساحة حرّة للناس العاديين من كل أنحاء العالم، يتبادلون فيه، ومن خلاله مقاطع الفيديو المرفقة دائما، بتعليقاتهم المتنوّعة، ونظراتهم الشخصية وتحيّزاتهم السياسية وغير السياسية. كل هذا كان مقبولاً ومفهوما إلى حدّ بعيد، إلى أن انقلب كل شيء مرة واحدة. دخل «يوتيوب» في سياقه التجاري الحقيقي. كل شيء قد يبدأ بنوايا حسنة أو بلا نوايا ربما، ولكن لا يلبث أن يتغيّر بعد فترة؛ فما كان حسناً يصبح سيئاً، وما كان حرية يتحوّل إلى عبودية، وما بدا أنه حلم جميل تبيّن عند آخر الليل أنه كابوس ثقيل.
بدون مقدمات، «يوتيوب» بات لا يطاق. إعلانات تطاردك طوال مدّة متابعتك للفيديو، فتقلب المشاهدة جحيماً. وكلما كان الفيديو الذي وقع عليه اختيارك، حائزاً أرقام مشاهدات أعلى، سُيّج (كي لا نقول فخّخ) بإعلانات أكثر، تقطع عليك العرض بمعدل خرافي، قد يصل أحيانا إلى ٣٥ ثانية أو حتى أقل. تضطر عندئذ للاستغناء عن الفيديو تماما، والبحث عن واحد آخر، حتى إذا ما تكرر عليك الأمر مرّات، أغلقت البرنامج نهائيا، وقد أمسك الغضب بتلابيب نفسك.
وعندما تهدأ العاصفة داخلك، وتستعيد قدرتك على التفكير، وتقرر أن تبحث عن سبب ما يُزعجك، فستعرف حينها أن وراء هذه الإعلانات، شبكة عملاقة لصناعة المال، المحسوب بالدقائق وعدد المشاهدات؛ يشارك فيها ملايين الناس، من أجل التربّح، بالشراكة مع «يوتيوب»، من أموال الشركات التي تختار وضع إعلاناتها في الفيديوهات التي تمتلك أعلى نسبة مشاهدة حول العالم.
بعيدا عن المقدّمات: يوتيوب متّهم!