بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

16 أيلول 2022 12:00ص يوم عضّني الوقت!

حجم الخط
أجلس في مقهىً يُطلّ على البحر. والبحر صامتٌ أمامي. لا يؤذيني شيء في صفائي؛  بعوضةٌ أو ما فوقها. زجاج الواجهة العريضة يردّ عنّي الأصوات ويُقلّب لي الصور بلامبالاةٍ شفيفة. صباحٌ باكر يتسرّب من بين عينيه الواسعتين ويدخل إلى كياني الرائق. بجانبي الوقت يمرّ على استحياءٍ ثمّ يلتفّ على نفسه في زاوية بعيدة مثل قطّة منزليّة. لا يموء لي الوقت ولا ينبح عليّ. أشتغلُ ببهجة. هواء المُكيّف من ورائي يُبرّد لي الحبر ويلاعب أجنحة كلماتي. فتطير عن الورقة ثم تغطّ. رأسي يزداد بياضًا. أنا الملكُ على لا شيء. خسارتي أكبر منّي. وانتصاراتي أقل من أصابعي. لا أكلّم أحدًا اليوم. حتّى الصّدى في نفسي يتركني وشأني. يرفعني الهدوء إلى أعلى كأنه منطاد سحريّ. لا أسمع هناك ولا أرى. خيال من خيال. خيال من لا شيء. لكنْ يداي فوق الطاولة وتحتها. يداي صلبتان وجافّتان. يميني تجعّدت فوق حلم، ويسراي بلا شهادة. فنجان القهوة بالحليب المنزوع الدسم يبلّل الوقت فوق شفتيّ. هاتفي الموصول بالكهرباء يمتصّ العالم عن بٌعْد. أقرأ قليلا. توقفني القراءة على بابها. اكتب لعلّها تفتح لي. ادخل  قليلا ثم يوصد دوني باب آخر. الباب اسم جميل لكن هل نعرفه؟ هل رأى احدنا باباً من قبل؟ تجذبني الأبواب العالية. في اسطنبول تجمّدت امام باب «التوب كابي». تحسست نتوءات التاريخ فوق خشبه الغافي، وعندما فتح حزنت. يظلّ التاريخ على الباب. ويظلّ الحكماء وكذلك الفقراء على الأبواب. دخل عليّ أحد تبعه اثنان ثم واحد. تحملقوا في الوسط وأصواتهم في كل مكان. حطّموا لوحتي الجميلة. كسروا أبوابي العالية والفريدة. عبثوا بالقهوة وبالذكريات. كياني تحت سياط الكلام.قصص عن الحرب الماضية، وأخرى عن الحب والنساء اللواتي لا يمضين أبدًا. ضحكات للسقف وبضع شتائم مع رشفات القهوة. بدأ الوقت ينبح. يعضّني في معصمي. التفت الي احدهم وقال آمل الا نكون قد سببنا لك ازعاجا. لهنيهة ترددت في الإجابة ثم قلت لا. ابتسم لي وابتسمت له.
أخبار ذات صلة