بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 حزيران 2022 12:00ص أنا والأنا

حجم الخط
يحدثني عن إنجازاته، هواياته، قهوته وسيجارته ونوع التبغ المفضل، السيارة التي يحب ويتغنى بها وقصص اصدقائه وأهلهه، ثيابه الشتوية والصيفية، المعجبات ماذا يقلن له، كيف اشترى هذا، وماذا يملك، عن انتمائه السياسي ومعارفه ووضع البلد كأنه سياسي محنك لديه قناعاته ويعلم المجهول.. يحدثتي عن الفراغ، عن التفاصيل المملة.. يحدثني عن الانا..
احب التفاصيل كثيرا ولكن التي تاتي ما بين السطور ...
فأكتفي بقول نعم، صحيح، «معك كل الحق»..
لستُ الأكثر ذكاءً، ولا الأكثر تعليماً أو حكمة.. ولكن اعتقد ان أسوأ الأشياء التي يمكن للانسان ان يختبرها هو عدم قدرته على شرح طبقات التعقيد الموجودة في عقله والتي تُرى كل الأشياء من خلالها.. مهما تقول تظل في القشور، تنهار اللغة وننهار معها...
ان خيالي يا سيدي في عالم آخر.. يحلّق في البعيد كأنني انتمي إلى زمن آخر.. أفكاري تأكلني وتسيطر عليّ.. اتساءل عن سبب وجودي.. عن سبب اختلاف طبائع الشعوب، وكيفية تكوّن الاعراق وتطور البشرية لتصبح الأسوأ على الاطلاق، عن  الانسانية والدونية عند بعض البشر، عن تأثير غياب من نحب في حياتنا، هل نحن نصنع مصيرنا بأيدينا ام انها أقدار مكتوبة، عن دور الأم والأب في تكوين ولد مريض نفسيا مدمر للمجتمع، هل نستحق تحرير القدس؟؟  وهل يمكن أن تفوز الشعوب الأقل «تطوراً» !!  ولم تأخّرنا كثيراًعن اللحاق ب»الآخرين عن الكوكب والكواكب والمجرات والاسرار.. عن الجينات ووجود حياة أخرى على كوكب آخر.. عن سرعة الضوء والسفر عبر الزمن.. عن دور رجل الدين في حياة البشر.. عن مصيرنا والسؤال البديهي لما خلقت في لبنان وأنا حرة طليقة لا انتمي لأي حزب او تيار!!.. عن الله والوجود ولماذا خلقني أنثى!!.. عن الهروب من الوعي الى اللاوعي في ساعة واحدة للاستراحة او القيلولة.. عن الملائكة والشياطين كيف تجسدت في ابن آدم.. عن حضارة الانكا والفراعنة واطلنتس.. عن اذا كنا مسيرين ام مخيرين، عن الجنة والنار..
اتساءل دائما من انا؟؟ انا لا انتمي إلى هنا !!
انا حشد من الكلام المؤجّل أخشى أن اتلاشى ان تحدّثت ...
لا استطيع ايجاد أجوبةٍ، ولا أملك شرح ذلك ببساطة، لست عالمة لأفعل ذلك ولا جاهلة لأهرب من ذلك.. انا عالقة في الوسط..
كيف يمكن أن تشرح للغير انك ما عدت تصلح  للاحاديث اليومية وانك مستنزف لدرجة انك تحتاج فسحة من الوحدة كي ترمم ما  دمرته في داخلك: الحرب، والكورونا، وانفجار المرفأ، وما فعله السياسيون في لبنان بمصيرنا بعدما هدموا احلامنا، هذا عدا عن المصارف التي سرقت جنى العمر، واللاعدالة في محاكمنا فلا يجد المظلوم من ينصفه في أغلب الأحيان..  كل ذلك دون ان ننسى الدور السلبي الذي يتركه دخول الناس «الغلط» ال toxic الى حياتنا.. 
بالمختصر، لترتقي إلى نقطة الصمت وتمتنع عن الكلام وابداء الراي لمجرد انك مجبور أن تحترم وتتقبل الآخر بجميع اختلافه وإلا ستصبح عدوّ ابله بمجرد أن رايك مختلف (في المطلق الناس تكره ان تقول لها (لا)).. التزم الصمت والبسمة وابتعد.. لا تدقق في قول ولا تتعمق في فعل ولا تخوض في تفصيل.. عامل الناس بما يظهرونه لك والله يتولى ما في صدورهم..
عندها فقط أؤكد لك انك ستكون شخصهم المفضل دائما وابدا وخاصة إذا لم تكن انساناً غنياً على الصعيد المادي او لديك الكثير من المعارف او المصالح المشتركة معهم، وعلى سبيل المثال من أجمل المعادلات التي وضحها دوستويفسكي في روايته الشياطين أن تقبل الناس لرأيك يعتمد على مقدار ما تمتلك من مال ويتناسب طرديا معه، لذلك إن كنت فقيراً فالصمت أفضل لك أفضل بكثير، أما إن امتلكت المال والكثير منه وتعمل لإكتساب المزيد فتكلم والكل يسمعك.. لا تستغرب أرجوك، ألا ترى أنه حتى الأحمق يصبح بالمال عملاقاً !!!
آخرا وليس أخيراً.. كلما قلّ عدد الذين يعرفونك إزدادت حريتك، فالذين لا يعرفهم أحد ولا يُنتظر منهم شيء هم الأكثر حرية في هذا العالم.. فالناس قيود..