بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2022 12:00ص الــطــوارق... بدائية وحضارة

حجم الخط
الصحراء الأفريقية هي أكبر صحراء في العالم واختراقها عرضاً، يوازي السفر بين باريس و«نيويورك» بحراً. أما اسمها فيقترن دائماً بالحرارة والعطش والوحشة المقفرة لتلك الأرض اللامتناهية الأطراف من الرمل والحصى والصخور. أما نسبة الرمال في الصحاري فلا تزيد عن خمس تكوينها إذ أن البقية تتألف الحصى والصخور وسلاسل طويلة من الجبال. في قلب الصحاري بحيرات تنتشر في عديدة ولا تحتاج أرضها إلا لمطر قليل لتصبح سجادة ملونة بالزهور والحشائش الطويلة. حيث يؤكد علماء الطبيعة والآثار أن بدء تكوين الصحاري كان موازياً للعصر الجليدي الذي اجتاح أوروبا.
حياتهم وأرضهم
لا أحد يعرف عدد «الطوارق» لأنهم شعب رجل عاش في الصحراء الكبرى التي تعتبر واحدة من أضخم الصحاري في العالم. إذ تبلغ مساحتها آلافاً من الـكـيـلـومـتـرات المربعة. وتقسم «الطوارق» إلى خمسة أعراق رئيسة تعيش في «الجماهيرية الليبية والجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا» لكنهم يجوبون الصحراء على هواهم دون اعتبار لحدود تلك الدول الخمس، ولهذا السبب يمكن القول أنهم لا يحتاجون إلى دولة خاصة. فالصحراء صحراؤهم، وبالرغم من أن بعض الطوارق اختار الاستقرار كما في مدينة «تامانارست» بجنوب الجزائر. فإن معظمهم لا يزال يعيش حياة الارتحال ويكسب قوته بالتجارة وهي مهنة أسلافهم الذين كانوا يسيرون بالقوافل الطويلة على ظهور الجمال عبر أفريقيا حتى وصلوا إلى السودان. أما الذين استوطنوا في مجتمعات مستقرة، فقد عملوا في إنشاء الطرق أو قيادة الشاحنات في جنوب الجزائر على سبيل المثال، بينما يعمل البعض الزراعة وإنتاج والتمر في الواحات. ويمكن للراغبين منهم أن يتعلموا في المدارس كما أصبح كثير الطوارق أطباء مؤهلين. و للطوارق أيضاً نواب في مجلس الشعب الجزائري.
يعتنق الطوارق الدين الإسلامي، ويتكلم العديد منهم اللغة العربية على الرغم من أنهم أبقوا على لغتهم المميزة بما في ذلك الحروف التي تكتب بها، والتي تتصل بالحروف الليبية القديمة، ويتميزون أيضاً بزيهم الخاص لا سيما «الأردية الزرقاء» التي أدى انعكاس لونها على بشرتهم إلى تسميتهم «رجال الصحراء الزرق». ولعل أبرز ما يعرفون به هو غطاء الرأس المميز الذي يتكون من ستة أمتار من القطن الخفيف الذي يغطي وجوههم، وذلك باستثناء فتحة للعينين وهو الزي الذي يلبسه الرجال. ومن مميزات زيهم: المجوهرات الفضية بما فيها «مصلبة» أو «كوكبة الطوارق» المعروفة. «والطوارق» شعب كريم النفس يتحمل مشاق الحياة الصحراوية برباطة جأش. كما إنهم قادرون على اكتشاف آبار المياه وتفادي المخاطر وهم يعرفون خصائص كل نبتة في شفاء الأمراض، فضلاً عن أنهم يعرفون كيفية السفر «الهوغار» وفي سهل «باسيلي» الواسع في سلسلة جبال «بيرفي» في النيجر.
آثار نفيسة
إن الـمـوجـودات الأثرية في الصحاري كثيرة جداً، حتى لا يكاد يـخـلـو  كيلومتر مربع واحد من قطعة أثرية نفيسة، تختلف كل واحدة عن الأخرى اختلافاً كلياً. في هذا الإطار تم اكتشاف أوان طينية أثرية يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث ونقوش جدارية محفورة في الصخور الصلبة. ولم يتم العثور على عظام لحيوانات أليفة كالقطط والكلاب بل على عظام حيوانات مفترسة وأسماك بالإضافة إلى أدوات صيد كالفؤوس والسكاكين الحجرية، وحفر على الصخور المنتشرة من غرب الصحاري إلى صحاري النوبة. وقد تم حصر عصور حياتهم من خلال الرسوم والحفريات الموجودة في قلب الصحاري.
نظام الحكم في «السلطنات»
يتألف نظام الحكم في «السلطنات الطارقية» من ثلاثة هياكل مرتبة على النحو الآتي:
1- منصب السلطنة أو السلطان ويسمى في اللغة الطارقية والأمنوكال».
2- منصب شيخ القبيلة ويسمى «امغار» .
3- منصب الإمام.
السلطان
يتولى منصب السلطان شيخ أقوى قبيلة من القبائل التي تتألف منها السلطنة ويساعده رؤساء مجموعات القبائل الذين يرأسون بدورهم مجموعة من شيوخ القبائل. وهكذا فإن النظام القبلي هو الذي يشكل النسيج الاجتماعي الطارقي. على أن ابن أخت السلطان هو وريث خاله في الحكم. 
الطبل
يعتبر الطبل عند الطوارق رمز السيادة وكذلك عند العرب حتى عصر قريب. و «الطبل» هو وسيلة لتجميع القبائل وعدد ضرباته خاضع لنظام معروف لا خروج عليه. فإعلان الحرب يتم بإثنتي عشرة ضربة على الطبل تعاد بدون انقطاع كامل الليل والنهار. أما الاعلان عن رفع الخطر فبثماني ضربات على الطبل فقط لا تعاد.
شيخ القبيلة
مهمته الإشراف والإمام
يهتم بالارشاد الديني
ويتكوّن المجلس العام عند الطوارق من جميع شيوخ القبائل ويقررون ويتشاورون في أمورهم حرباً وسلماً وتجارة وحماية. وهؤلاء الشيوخ يعينون السلطان ويعزلونه وهم ينتخبونه عادة بعد فرز ونقاش طويلين يرتكزان على حسن السيرة وقوة البنية والعقل وما إلى ذلك الصفات المحمودة لدى القبائل. ويقام احتفال أثناء تنصيبه وهو مناسبة مهمة في حياتهم. ولكن ما هي العلاقات السياسية بين السلطات من الطارقية؟.
شكلت دولة المرابطين الفرصة الوحيدة التي اجتمعت فيها كل هذه القبائل المبعثرة، ثم ما لبثت أن تبعثرت بعد ذلك، وهذا عائد إلى حياة ملؤها عدم الكلأ والعشب نظراً لندرة الأمطار. أما المعارك فهي الاستقرار والبحث الدائم عن على مستويات عديدة بين السلطات أو القبائل داخل السلطنة الواحدة.
الحياة الاجتماعية
الأسرة هي الخلية الصغرى في مجتمع الطوارق، تليها العشيرة، ويعيش مع الطوارق مجموعات من العبيد الموالين لهم. وتتعاون العائلات والعشائر المقيمة في حي ما على تنظيم الحياة كحفر الآبار وبناء المساجد وكل ما يجمعهم من مصالح. أما القبيلة فتتكون من مجموعة من الأحياء المتقاربة جغرافياً ومصلحياً.. وتشمل القبيلة جميع الطبقات الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع الطارقي كالنبلاء والفقهاء والموالي والعبيد، والحدادين والمطربين. ويعود تصنيف المطربين آخر القائمة إلى طبيعتهم الجبانة، وعدم اشتراكهم في الحروب ومديح المنتصرين وهم يتخرجون عادة من طبقة الحدادين أو الصناع التقليديين المعروفين بالحرفيين. أما العبيد، فغالبيتهم من السود الذين جاؤوا من أفريقيا كرقيق عن طريق الأسر أو الخطف. ثم اندمجوا في القبائل منتسبين إليها، أما الموالي فهم أبناء المعتقين المتحررين منذ عهود الإسلام الأولى. وهكذا فإن المجتمع الطارقي ذو بنية تقليدية. بناؤه قبلي وهرمه منظم يبدأ بالأسرة وينتهي بالسلطنة.
الاقتصاد عند الطوارق
تعتبر الحيوانات كالإبل وأنواع الضان أساس اقتصاد المجتمع الطارقي، منها يأكلون ومن أجلها ينتقلون ويحاربون. أما الزراعة فإن الطوارق يحتقرونها ولا يحسنونها أصلاً، وهي من أعمال العبيد في نظرهم، وحتى إذا عملوا فيها أحياناً، فبشكل غير أساسي كما تفعل بعض السلطنات الموجودة على نهر النيجر التي تقوم بزراعة الذرة والتبغ، كما يشتغل الطوارق بالصيد وخاصة صيد الغزلان والوعول والنعام والزراف. أما غذاؤهم فيعتمد على التمور والألبان واللحوم.
اللغة
تُعرف لغة الطوارق بـ «تاماشاق» أو «تاماشاك» وهي إحدى اللهجات العربية القديمة التي قضى عليها الاسلام عندما وجد لغة العرب بلغة قريش التي أنزل الله القرآن الكريم وهي اللهجة الوحيدة في اللغات الأفريقية التي يوجد بها حرف الضاد سمة اللغة العربية.
وفي لغة الطوارق الكثير من الكلمات العربية الفصحى وتجدها في صميم اللغة لا مستحدثاتها. إن اللغتين الطارقية والعربية هما من أصل واحد بدليل وجود الكثير من الشواهد والمقارنات بين القبائل البربرية وبعض القبائل العربية في جنوب اليمن. أما «التيفينار» فهي الحروف الطارقية التي يكتب بها الطوارق لغتهم. وأهم خصائصها أنها تكتب من اليمين إلى اليسار ولها قابلية الكتابة من اليسار إلى اليمين ومن فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، وكل هذه القابليات جعلت للتأكيد على أهمية الرمز اللغوي الذي لا يستطيع فك طلاسمه الأعداء. و«التيفينار» هي اللغة المكتوبة للطوارق ولكنها ليست اللغة القومية ولا لغة الثقافة إذ لا يوجد كتب مكتوبة بلغة «التيفينار» بل نراها فقط محفورة على الحجارة ومعظم ما كتب عبارة عن رسائل حب بين العشاق المتباعدين.
الزواج
يتزوج الطوارق عادة ما بين سن السابعة عشرة والواحدة والعشرين وقليلاً ما تجد شباناً فوق هذا العمر ما زالوا عازبين. ويتألف مهر الفتاة في قبيلة النبلاء من ناقات، وإذا كانت من الاتباع فثلاث ناقات أما إذا كانت من باقي قبائل الأفراد فمهرها ناقة واحدة وبعض الرؤوس من الغنم.
وهناك عادات غريبة يقول الطوارق أنها زالت بتغير المجتمع التقليدي، وتتلخص في أن توضع في خيمة العروسين ليلة الدخلة، كومة من الرمل، تفصل بينهما وتبقى لمدة ثلاثة أيام لا يقترب العروسان أثناءها بعضهما البعض، لأن فلسفة هذه العادة تقول للزوج الجديد: في الليلة الأولى تكون المرأة أختك، وفي الليلة الثانية أمك، وفي الليلة الثالثة حماتك، أما في الليلة الرابعة فهي زوجتك، ثم يزيلون كومة الرمل من الخيمة.
المأكل والمسكن
يعتمد الطوارق على الوديان في رعي مواشيهم وإبلهم التي يشربون حليبها ويأكلون لحومها، كما أنهم يعتمدون صيد ريمها وغزالها وأيلها. وهم مشهورون بكرم الضيافة وشرب الشاي، ولكنهم لا يحبون من يعتدي عليهم، ولهم في الثأر قصص كثيرة.
المرأة والحب الطارقي
يعيش الطوارق الحب ويقدسونه ويؤمنون به إلى أقصى الحدود. وهو يتميز بالعفة والطهر ولا تسمح الفتاة لفتاها بلمسها مهما كان الأمر. إن الحب الإنساني الحقيقي والقيم الأخلاقية العالية هي التي يتحلى بها بدو الطوارق الذين يعيشود في خيام وبيوت من الطين.
إن الطوارق بسطاء وبدائيون في معظم أوجه حياتهم. أما في ما يختص بالمرأة وبشؤون أخرى كثيرة فإنها تتميز بصفات حضارية راقية يمكن للعالم الذـ يدعي الحضارة أن يتعلم منها أشياء مفيدة.