بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيلول 2022 12:00ص التتار... تاريخ من الغزو والترحال!

حجم الخط
ليس هناك في العالم سوى أماكن قليلة يمكن أن تكون أكثر تجهّماً وأبعث على النفور من المناطق الشاسعة المُتجمّدة في منغوليا. ولا يمكن أن يتوقع الانسان في مناطق كهذه، أن تكتسحها الرياح الثلجية وليس بها سوى تربة صلبة مجدبة لا تهيئ أسباب العيش الا لعدد صغير من السكان الكادحين. ولكن من هذه الأرض الكئيبة الجرداء، خرجت فئة تعدّ من أغرب الأجناس بين شعوب العالم على مدار التاريخ. إن هؤلاء الرجال الضئال القصار، ذوي الأعين التي ضيّقتها الشمس والرياح، الأشداء الخارقي القوة. إنّ هؤلاء الرجال الذين يبثون الرعب. قد ثاروا في مناسبات كثيرة كما تثور البراكين، واجتاحوا البلاد المتحضّرة في آسيا وأوروبا يقتلون ويدمّرون كل ما كانوا يصادفونه في طريقهم وقليل من البلاد ذاق العذاب أكثر مما ذاقته الصين من جراء غارات هؤلاء القوم. لقد ظلت الصين قروناً عديدة تقاتل لصدّ غارات «شعب الخنازير» كما كانوا يسمّونهم. ثم شيّدت الصين السُّور العظيم فتمكنت لفترة من الوقت احتجاز هؤلاء الهمج المتبربرين فكان ذلك إيذاناً بتحولهم في اتجاه أوروبا، التي استهدفت في أول الأمر لغزوات الهون تحت قيادة «أتيلا» الرهيب ثم جاء بعدهم الآفار، والبلفار، والأتراك. وفي النهاية، جاء المغول الذين يعرفون أحياناً باسم التتار. 
جنكيز خان
في عام 1162 بعد الميلاد، عقب تولي الملك هنري الثاني عرش انكلترا مباشرة ولد في قفار منغوليا طفل يدعى «تيموجين» ورغم انه كان إبناً لزعيم من عشائر المغول فإن أحداً ما كان ليخطر في باله وقتذاك أنه سيغدو يوماً واحداً من أعظم الغزاة الفاتحين في العالم. ولقد ظلت أوروبا وآسيا في ذلك العهد متحرّرتين من غزوات المغول أعواماً كثيرة. بيد أن أولئك القوم كانوا كالعهد بهم دائماً، غلاظاً يلقون الرعب في القلوب ولكنهم كانوا منقسمين إلى عدد من العشائر تتقاتل فيما بينها. ومع ذلك فإن الخطر كان يتمثل دائماً في أنهم إذا اتحدوا تحت أمرة حاكم واحد، فإنهم يصبحون مرة أخرى خطراً مروعاً يتهدّد جيرانهم. وما لبث تيموجين أنه خلف أباه وهو في سن الثالثة عشرة. وقد استطاع بمساعدة أمه، مقاتلة وهزيمة قبائل المغول من جيرانه.  
وفي عام 1206، نودي بتيموجين من قبل شعب منغوليا بعد صراع طويل مرير سيد الحكام أي جنكيزخان وبعد خمسة أعوام خرج للقيام بحملته الأولى. وهي قهر الصين بقوة تتألف من مائتي ألف من الفرسان. إنّ جيشاً كهذا تسلّح جنوده بالسيوف المقدسة والأقواس الصغيرة القوية يمكن في أي وقت إن هو تقدم بسرعة عظيمة ولا يكاد جنوده أن يفارقوا متون الخيل، أن يكون شيئاً رهيباً لكنه الآن بعد أن تمّ تنظيمه تنظيماً قوياً صار تحت أمرة قائد عبقري، أصبح قوة قاهرة غلالة فقد تدفق مقتحماً سور الصين العظيم، وقهر كافة الجزء الشمالي لهذه البلاد. ثم استدار إلى الغرب فاجتاح بلاد الترك في آسيا الصغرى والامارات المسكوفية في روسيا. 
ولقد بدا أنه ما من أحد كانت لديه القوة الكافية لمقاومة هؤلاء الرجال القصار الأشداء الذين كانوا يقاتلون كالأبالسة والذين لم يكونوا يعرفون قطّ معنى الكلل ولا يظهرون أدنى رحمة. ومع مرور الوقت بلغ الفزع من اسمهم حداً جعل لهم قوة السحر والمغناطيسية على أعدائهم حتى كانت كل إرادة عندهم للمقاومة تنهار وكانوا ينتظرون الموت طائعين كالأغنام في المذبح. 
خلفاء جنكيزخان 
توفي جنكيزخان عام 1227 وخلفه ولده أوجوتاي خان، ورغم ذلك فإن زحف التتار لم يتوقف، فتحت قيادة باتوخان ابن أخ أوجوتاي اكتسح المزيد من أراضي روسيا وسقطت كل من موسكو وكييف وبعدئذٍ فتح هنغاريا وبولندا، كما تـمَّ غزو ألمانيا ولقد بلغ من أبهة وفخامة المضارب التي كان يحلّ بها جنود هذا الجيش القاهر على كل الجيوش والأجناد، أنه أصبح يعرف باسم الجموع الذهبية، بيد أنه في الأعوام التي توالت وتفككت فيها امبرطورية جنكيزخان استقرّ التتار المعروفون (الجموع الذهبية) في شرقي أوروبا كسلطة قوية مستقلة وظلوا ما يزيد على مائتي عام القوة المسيطرة على روسيا. 
قوبلاي خان 
وفي عام 1259 أصبح قوبلاي خان وهو من أحفاد جنكيزخان حاكماً لإمبرطورية التتار وقد تلقى وهو بعد صبي، العلم بناءً على تعليمات من جده على أيدي بعض كبار العلماء، ونتيجة لهذا، فإنه أصبح شديد الشغف بالحضارة الصينية ولذلك هجر حياة العسكر التي كان يعيشها أسلافه وأنشأ بلاطه الخاص في الصين. وقد عمل جاهداً لكي يضع حدّاً للعداء بين الصينيين والتتار، وكرّس نشاطه للقيام بالمشروعات السلمية، وهكذا شيّدت قصور وآثار رائعة وأوليت الزراعة والتجارة ومختلف الحرف والفنون تشجيعاً كبيراً، وفي بلاطه لقي المستكشف الايطالي الشهير ماركو بولو كرم والضيافة مدى أعوام كاملة. ودام حكم قوبلاي خان 35 عاماً. 
تيمور لنـك
كان تامبورلين أو «تيمرلين» كما عرف في أوروبا، آخر حكام التتار العظام. على أن اسمه الحقيقي كان «تيمور-أيلينج «-أي تيمور الأعرج- إشارة الى عرج ألمَّ به لجرح أصابه في إحدى المعارك وتحت دعوة أنه من سلالة جنكيزخان بدأ أولاً بقيادة رفاقه للقيام بسلسلة من الغارات تستهدف المواشي وقد بلغ نجاح هذه الغارات حداً جعله يرنو الى مطامع أكبر.. 
وكان من أوائل انتصاراته الكبرى، غزو بلاد الفرس (إيران) وفي عام 1395 استطاع تحطيم مملكة التتار المنافسة له والمعروفة باسم «الجموع الذهبية»، وتلا ذلك- وقد جاوز الستين من عمره – زحفه على رأس جيشه الى الهند حيث سلب تلك البلاد كثيراً من كنوزها وأخيراً قرَّرَ هذا الكهل المخيف القيام بغزو الصين. على أنه وهو على مشارف السبعين من عمره ما لبث أن توفي عام 1405 وهو في طريقه الى الصين. 
عـادات التتار
كان التتار شعباً من الرحّل وكانت بلادهم منغوليا شديدة الجذب لا تجود فيها زراعة المحصولات، ومعنى هذا اضطرار الناس الى التنقل باستمرار بحثاً عن المراعي الجديدة لخيولهم، ونتيجة لهذا فانهم لم يبنوا البيوت إنما كانوا يعيشون في خيام من نوع من اللياء، يُصنع من الشعر المتلبِّد ويدهن بشحم من الزبد الفاسد لدفع غائلة البرد من داخل الخيمة. وكان التتار يعتمدون في طعامهم أساساً على صيد الحيوانات، وعندما كانوا يقتلون أي شيء كالأيل مثلاً كانوا يلتهمون الحيوان كله نيئاً، بما في ذلك الأجزاء الكريهة منه. وكان الحصان هو حيوانهم الرئيسي، ولبن الفرس هو شرابهم المفضل، وعندما كان يتمّ تخمير هذا اللبن فإنه يتحوّل الى مسكر قويّ. وفي الحفلات كانوا يشربون في جماجم قتلى الأعداء.