بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الثاني 2017 12:05ص «إم قاسم» حجير قدّمت 5 من الأبناء والأحفاد على طريق فلسطين

تسليم قاتل محمود يُفشِل مخطّط الثأر في عين الحلوة

الحاجة «إم قاسم» حجير تودّع فلذة كبدها محمود الحاجة «إم قاسم» حجير تودّع فلذة كبدها محمود
حجم الخط
كانت الحاجة آمنة مسعد حجير، تتمتم بكلمات الشكر والحمد على ما أصابها من ابتلاء، وهي تودّع فلذة كبدها محمود، الذي اغتالته أيدٍ مأجورة يوم الأحد (19 تشرين الثاني الجاري)، أثناء تواجده في سوق الخضار وسط مخيّم عين الحلوة.
الوالدة الصابرة لم تكن هذه فاجعتها الأولى باستشهاد أحد أبنائها وأحفادها، بل الخامسة.
تعود جذور العائلة إلى بلدة «الطيري»، إحدى أبرز قرى قضاء حيفا، حيث غادرتها إثر نكبة فلسطين في العام 1948، وحطّت الرحال في الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة، حيث أُطلِقَ على الحي إسم «الطيري» تيمّناً بإسم البلدة الأم.
تاريخ العائلة مفعم بالنضال من أجل فلسطين، فالأجداد قاتلوا في الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 مع المجاهد عز الدين القسّام.
أثمر زواج أحمد حجير وقريبته آمنة حجير أسرة مكوّنة من 6 ذكور، بقي منهم حيّاً: علي وإبراهيم، و4 استشهدوا، هم: قاسم، حسن، مسعد ومحمود، وأنجبوا مع أولادهم 38 حفيداً، زرعت فيهم حب الجهاد من أجل فلسطين، وابتهلت إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يأخذ 3 منهم شهداء من أجل فلسطين، فزادوا إلى 5 مع الحفيد علاء، وهذا لم يغيّرها قيد أنملة، مع استعدادها لأنْ تقدّم المزيد من أجل مواصلة الطريق، وهي تردّد «لم نقدّم لفلسطين حتى الآن الشيء المطلوب».
واحدة من الخنساوات الفلسطينيات اللواتي يودّعن الأبناء برضى وقلب مفعم بالنضال والتضحية، وهي المكنّاة بإسم «أم قاسم» نسبة إلى نجلها الأكبر الذي أطلق الإسم عليه تيمّناً بإسم الولد الأوّل للرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلمّ).
ودّعت قاسم، الذي كان قائد كتيبة مشاة، حيث استشهد في العام 1982 في مواجهة الإجتياح الإسرائيلي للبنان.
ثم حسن، الذي استشهد في مواجهة الإحتلال وعملائه على جبهة كفرفالوس في شرقي صيدا في العام 1985.
بينما شهدت السنوات الثلاث الماضية سقوط 3 (ولدان وحفيد) على أيدي مأجورين من مجموعات تكفيرية تحمل أجندات خارجية، وفي المنطقة ذاتها القريبة من سكن العائلة.
اغتيل مسعد، وهو يقوم بتنظيم السير في سوق الخضار بمخيّم عين الحلوة على يدَيْ  مسلّح ملثّم (15 تشرين الأوّل 2013).
ثم اغتيل حفيدها علاء حجير في الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة (8 أيّار 2014) قبل أنْ تُعلن وفاته (14 منه).
وجاء اغتيال محمود (19 تشرين الثاني 2017)، أثناء تواجده وسط سوق الخضار، وفي وضح النهار وأمام أعين المواطنين، وجرى تحديد هوية المنفّذ المقنّع، وأيضاً مَنْ يقف خلفه مخطّطاً ومشاركاً وتغطية في الجريمة، حيث تُشير المعطيات إلى أنّها بصمات «مجموعة الإسلامي المتشدّد بلال بدر».
نُفِّذَ الإغتيال في لحظة هامة، كانت تُشير إلى أنّ مخيّم عين الحلوة يتّجه إلى الإستقرار بعد توالي تسليم المطلوبين لأنفسهم أو توقيفهم وتسليمهم إلى الجهات الأمنية اللبنانية، أو فرار وتواري آخرين.
وجاء توقيت الإغتيال حاملاً جملة من الرسائل في التوقيت والأبعاد.
كان محمود يُقيم في منزله بحَيْ «الطيري» الملاصق لمنزل بلال بدر، إبن بلدته، الذي أقدم على احتلال المنزل وإبعاده عنه، وبعد إعادة «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» تحرير حَيْ «الطيري»، عاد محمود إلى منزله الذي كان بلال قد عاث به فساداً.
وطالما أنّ المعطيات تُشير إلى الجاني والجهة المنفِّذة، مطلوب من «القوّة المشتركة» و«لجنة متابعة ملف المطلوبين» والفصائل والقوى الفلسطينية الإسراع والعمل على توقيف الجاني، وتسليمه إلى السلطات اللبنانية، تجنّباً لاعتماد أسلوب الثأر الذي سيترك ارتدادات سلبية تتجاوز حدود المنطقة التي يُقيم فيها أهل الضحية والجاني، مع احتمال دخول المصطادين بالمياه العكرة على الخط، وتأجيج الأوضاع، ما يشرّع الأبواب بشكل كبير على فتنة ستعصف بين أبناء المخيّم، وتؤدي إلى عواقب وخيمة.
وقد فوّت أهالي المغدور حجير الفرصة على المتربّصين شرّاً بالمخيّم، فلم يؤخّروا تشييع جثمان محمود، الذي ووري في ثرى والده أحمد، بمقبرة درب السيم للجهة الجنوبية لمخيّم عين الحلوة.
الحاجة «إم قاسم» تودّع فلذات أكبادها على طريق فلسطين، دون أنْ تضعف أو تلين، متماسكة على ألم مَنْ تفارق مظلومين، بخطى ثابتة وابتسامة، وإنْ كان في القلب غصّة أنّهم اغتيلوا على أيدي مأجورين من أبناء جلدتهم من الجناة الظالمين.