بدأ موسم الأمطار هذا العام وبدأت معه معاناة عدد من الأحياء في مدينة بيروت التي لا ينزل عليها المطر خيراً وبركة بل طوفاناً وغرقاً للشوارع. هذه حال بعض شوارع صبرا والحمرا وغيرها والتي سجلت كاميرات المواطنين تعطّل مجاري تصريف مياه الأمطار فيها وتحوّلها الى مستنقعات.
محافظ بيروت مروان عبود صوّر الوضع هذه السنة وكأنه إنجاز غير مسبوق مستفيداً من عدم اكتراث المواطنين والإعلام لأن معظمهم فَقدَ الرغبة في التعبير عن المعاناة بعد أن طالت هذه المعاناة كل نواحي حياتهم وهذا ما جعل تداول فيديوهات الشوارع الغارقة بالمياه محدوداً.
ولكن ما استوقف المعنيون في هذا الشأن كان تصريح عبود بشأن كلفة تنظيف المجاري وقنوات مياه الأمطار في العاصمة، حيث أعلن عن خفض كلفة الأعمال من ٨ مليون دولار إلى ٥٠ ألف دولار، ما اعتبره البعض إنجازاً للمحافظ عبود، لكن اللافت أن الأرقام التي صرّح عنها عبود لا تمتّ إلى الواقع بصلة، والهدف منها تصوير إنجاز وهمي روّج له في الوقت نفسه مناصرو المحافظ في التيار الوطني الحر.
مصادر مطّلعة على الملف أشارت لـ«اللواء»، إلى أن المجلس البلدي خصص هذا العام مبالغ كبيرة تفوق ما تحدث عنه المحافظ عبود بكثير للقيام بأعمال تنظيف المجاري وقنوات مياه الأمطار، وهي تمّت عبر سلف مالية وقد جرت الأمور على الشكل التالي:
بداية إن الإدارة البلدية قد قامت في شهر أيلول من العام 2020 بإعداد دفتر شروط لإجراء مناقصة من أجل تلزيم أعمال تنظيف المصافي وخطوط المجاري بالإضافة إلى أعمال الصيانة لكامل البنية التحتية والفوقية غب الطلب مماثل لدفتر الشروط المعتمد من قبل الإدارة البلدية في السنوات السابقة. وإن الأشغال الممكن تنفيذها عبر هذا الالتزام وكمياتها يتم إدراجها ضمن جداول.
ولكن في ضوء تقلّب أسعار الصرف والوضع الاقتصادي بالبلد و حتى شهر آب من العام 2021 لم يتم التلزيم. عندها تم تأمين سلف مالية بقيمة مليارين ونصف من أجل العمل على تأمين تنفيذ الأعمال المطلوبة الأساسية (تنظيف المصافي والريغارات) بالإضافة إلى إجراء الصيانة اللازمة لبعض الأعطال الطارئة وعند استلام السلف المالية قامت الأجهزة المختصة بتأمين ثلاث متعهدين في نهاية شهر تشرين الأول وتم البدء بتنظيف المصافي والمصبعات لمياه الأمطار وان ما ساعد في إنجاز هذه الأعمال هو أن الأعمال التي تم تنفيذها غير مرتبطة بشكل أساسي بسعر الصرف لأن الأعمال المطلوب تنفيذها تتطلب يد عاملة مع عدّة بسيطة مع شاحنات صغيرة لنقل المخلّفات.
هذا بالإضافة إلى أنه في شهر تشرين الأول وردت موافقة ديوان المحاسبة على اعتماد السلفة الدائمة وقامت الإدارة في حينه إلى طلب سلفتين ماليتين بقيمة ثمانية مليارات ليرة لكل منها من أجل العمل على تنظيف خطوط المجاري والريغارات التابعة لها عبر الآليات اللازمة (اكواتيك وشفاط) بالإضافة إلى إجراء أعمال الصيانة اللازمة للبنية التحتية والفوقية بحدّها الأدنى.
وقد وافق المجلس البلدي على سلفتين ماليتين بقيمة ثلاثة مليارات لكل منها بسبب قُرب انتهاء العام الحالي. وبالنتيجة أن المبالغ المرصودة لإجراء أعمال الصيانة والتنظيف بحدّها الأدنى تبلغ حوالي تسعة مليارات من دون تأمين الأموال اللازمة من أجل ديمومة أعمال الصيانة المتوجبة والضرورية بشكل مستمر ولا أحد يعلم من أين أتى الرقم الذي ذكره المحافظ عبود.
هذا وإن الأعمال الجارية حالياً اقتصرت فقط على تنظيف مجاري مياه الصرف الصحي وأقنية مياه الأمطار فقط دون سائر الأعمال التي كانت التلزيمات السنوية تشملها وهي أيضاً أشغال صيانة البنى التحتية وأعمال تزفيت الشوارع وصيانة الأرصفة وكل هذه الأعمال كانت تجري على مدار عام كامل وغب الطلب أي أن التلزيم يتضمن تحديد الحد الأقصى الذي يمكن الوصول إليه في الكميات والنفقات. وليس فقط للأعمال التي تحدث عنها المحافظ والتي تقتصر على قيام العمال بفتح أغطية الحديد من الريغارات وأقنية المياه وتعزيلها من الأوساخ كي لا تمنع تصريف الأمطار وفيضان الطرقات.
ووفق المصادر، فإن عبود أخطأ أو تقصّد الخطأ فيما يتعلق بكلفة تلزيم صيانة الطرقات في بيروت، كما أغفل بأن العقد لا يشمل فقط تنظيف المجاري، بل صيانة كل ما يتعلق بالبنى التحتية، كصيانة الأرصفة وردم الحفر وتزفيت الطرقات ومعالجة الأعطال في شبكة أنابيب الصرف الصحي والريغارات وتنظيف المجاري وغيرها من الأعمال، ويتم إحتساب الكلفة بحسب حجم الأعمال.
أما الكلفة الإجمالية للعقد في السنوات الماضية والذي ألمح إليه المحافظ عبود، وبكل ما يشمله من أعمال، بلغ فقط ستة مليارات وثلاثمائة مليون ليرة سنة ٢٠١٨ وهي السنة الأخيرة التي حصل فيها تلزيم الأشغال وقد رست المناقصة آنذاك على المتعهد «كيروز» ولكن الجدير بالذكر أن العقد لم ينفّذ حتى لأن ديوان المحاسبة قرّر تخفيض القيمة الى حوالي النصف ولهذا لم يتم إنجاز العقد لعدم رغبة المتعهد آنذاك، شركة كيروز، بالعمل بتلك الشروط.
وفي معلومات خاصة، علمت «اللواء» من المصادر البلدية، أن أحد المتعهدين السابقين لدى البلدية قام منذ ستة أشهر بأعمال تنظيف مجاري تصريف المياه وأنجز ما يقارب ٧٠ بالمئة من الأعمال وذلك من دون مقابل، وقد تم ذلك قبل أن تقوم البلدية بالتعاقد مؤخراً مع متعهدين عبر السلف المالية لاستكمال ما قام به المتعهد المذكور. وهذا يعني ان الكلفة التي ذكرها المحافظ عبود عن قيمة الأشغال الحالية ليست صحيحة أيضاً لأن غالبية تلك الأشغال كانت قد نفّذت مجاناً. وقد تحفّظت المصادر البلدية عن ذكر السبب الذي حمل المتعهد على القبول بالقيام بتلك الأعمال ولم تؤكد ما إذا كان خضع لنوع من الضغوط ووضعت ذلك في إطار الحرص على المدينة.