بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الأول 2020 12:00ص رحيل إبراهيم العابد... ترك بصمات برؤى صائبة في عالم الإعلام العربي

حجم الخط
بهدوء ومن دون ضجيج، رحل أحد أركان وأعمدة الإعلام في العالم العربي إبراهيم عبد الرحمن العابد (عن 76 عاماً)، أمضى أكثر من ثلثيها في ترسيخ مكانة صاحبة الجلالة.

تبوّأ من المراكز ما هو رائد، بل ما كان أوّل مَنْ يتولاه بعد استحداثه.

رجل استثنائي بكل ما للكلمة من معنى، عمل ليل نهار، من دون كلل أو ملل، فطوّع ما هو مُتاح ومُتوافر، على الرغم من قلّته وندرته، مُواكباً التطوّر، فحقّق إبداعاً في زمن قياسي.

ارتبط اسم الراحل بتأسيس الإعلام في دولة الإمارات العربية المُتّحدة وتطويره على مدى أكثر من 50 عاماً، فأضحت «مدرسة إبراهيم العابد الإعلامية» أنموذجاً يُحتذى به.

وُلِدَ إبراهيم العابد في بلدة صفورية - قضاء الناصرة في الجليل من فلسطين المُحتلة في العام 1945، وكان أصغر أفراد العائلة الثمانية: 5 شباب و3 بنات.

لم يبلغ من العمر 4 سنوات حتى كانت «عصابات الهاغانا» الصهيونية، ترتكب المجازر وتطرده مع عائلته وأبناء الشعب الفلسطيني الآمنين، بعدما فتحوا لهم أرض وطنهم لاستقبال اليهود كما غيرهم.

وعى باكراً حلم الاحتلال، وهو ما حاول التركيز عليه بتخصّصه بالصراع العربي - الإسرائيلي.

حطّت عائلة العابد الرحال في مُخيّم عين الحلوة - صيدا، الذي خُصِّص للاجئين الفلسطينيين، وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، إلا أنّ رب العائلة عبد الرحمن علي العابد حرص على توفير العلم لأولاده، فنالوه لأنه خشبة الخلاص في مُواجهة مصاعب الحياة.

تلقّى إبراهيم دروسه الابتدائية والثانوية في «مدرسة الأميركان» - صيدا، قبل أن ينتقل لمُتابعة تحصيله العلمي في «الجامعة الأميركية» في بيروت التي تخرّج منها في أواسط ستينيات القرن الماضي بليسانس علوم سياسية وإدارة عامة.

كُنتُ أسمع من والدي - رحمه الله - عن رفاقه في «حركة القوميين العرب» التي برز دورها مع المد الناصري، وبينهم الشقيقان إبراهيم وفيصل العابد، أبو ماهر اليماني، صلاح صلاح، سليم أبو سالم، القاضي جميل بيرم ونصار الموعد، وغيرهم كثر ممَّنْ ناضلوا في مُواجهة المشاريع الصهيونية، وتوعية أبناء الشعب الفلسطيني على التمسك بحق العودة إلى فلسطين، ورفض كل مشاريع التوطين والتذويب.

امتاز إبراهيم العابد، فضلاً عن ذكائه، والمخزون الثقافي، بقدرة استثنائية، ورؤيته مُتقدّمة، ما مكّنه خلال عمله في «مركز الدراسات الفلسطينية» في بيروت، إلى الإشراف على إصدار نحو 35 كتاباً، وتفرّد بوضع دراسة حذّر فيها من حدوث الحرب الأهلية العبثية في لبنان (1975)، قبل سنوات عدّة من وقوعها.

في بداية سبعينيات القرن الماضي، حطَّ إبراهيم الرحال في أبوظبي، وتعرّف إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عيّنه مُستشاراً له.

يُروى أنّه خلال مُؤتمر صحفي كان يعقده الشيخ زايد، بحضور عدد من الشخصيات والصحافيين الأجانب، تولّى إبراهيم العابد الترجمة الفورية باللغة الإنكليزية، الأمر الذي حظي بإشادة من قبل المُشاركين الأجانب، ووصل الخبر إلى الشيخ زايد، الذي هنّأه على نباهته، ومنحه الجنسية الإماراتية وعيّنه مُستشاراً له. 

مع إعلان الشيخ زايد اتحاد الإمارات السبع، بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 1971، بدأت مرحلة البناء والتطوير في دولة الإمارات، فأوكل إلى إبراهيم العابد مُهمة هامة وحسّاسة ودقيقة جداً، وهي الإعلام.

في العام 1975 التحق بوزارة الإعلام والثقافة، وعُيّن مسؤولاً عن الإعلام الخارجي، فوضع اللُبنات الأولى لانطلاق الإعلام في دولة الإمارات.

في العام 1977 أسّس وكالة الأنباء الإماراتية «وام»، وتولّى منصب المُدير العام لها، حيث أسّس القسم الإنكليزي في الوكالة في العام 1978، ووضع كتاب رؤى مُستقبلية عن دولة الإمارات في العام 1979.

خلال تلك الفترة ترأس الفريق المُكلّف بتأسيس «وكالة أنباء الأوبك» في العام 1980، واستمر مُديراً عاماً لوكالة الأنباء الإماراتية حتى العام 1989، ثم كُلّف مُجدّداً بإدارتها في العام 1997.

عمل مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي كان أوّل رئيس للمجلس الوطني للإعلام، حيث شهد الإعلام الإماراتي خلال مسؤوليته له نهضة رائدة.

كما تربّى إبراهيم في فلسطين من زيت زيتونها الأصيل، عمل بإخلاص وتفانٍ، وإحساس وطني، ومحبة لمُهمته في مهنة البحث عن المتاعب، وساهم بصناعة الإعلام في دولة الإمارات.

وضع الخطط الإدارية والمهنية، بعد رصد وتخطيط، مُواكباً التطور، مُلتزماً بالمبادئ والقيم، والنظرة الثاقبة، مُترافقاً مع المعرفة والمهنية، والمخزون الكبير، فحقّق نقلة نوعية في زمن قياسي، لأنّ هدفه كان التميّز في مهنة لا ينتهي فيها البحث عن كل ما هو جديد للتطوير، وفق ثوابت التسامح التي أرساها الشيخ زايد، وبإعلام حواري يخدم أهداف الأمة ومُستقبلها.

كان خلال مسيرته، الأخ والزميل، الأستاذ الناصح، المُوجّه والقدوة، مع جميع من عمل معه، واضعاً ما اكتسبه من علم وخبرة في تجارب الحياة بخدمة الجميع، فعمل من أصبح يُعرَف بـ»المعلم»، على صناعة الإعلام في الإمارات.

شارك في العديد من المُؤتمرات العربية والدولية، الذي كانت له فيها بصمات طيبة خاصة.

ألقى مُحاضرات عدة لطلاب كليات الإعلام في جامعات الإمارات.

أصدر 12 كتاباً.

كان يُشرِف على تحرير الكتاب السنوي لدولة الإمارات والكُتيّبات والمطبوعات التي تصدر عن إدارة الإعلام الخارجي.

بقي مُستشاراً لمجلس الإدارة في المجلس الوطني للإعلام بدولة الإمارات ومُستشاراً إعلامياً في وزارة الثقافة والشباب.

حظي بحفاوة وتكريم، وحصل على جوائز عديدة، بينها «جائزة أصدقاء الكتاب» في بيروت.

يُشكّل رحيل الإعلامي إبراهيم العابد خسارة كبيرة، لكن «صاحب الرؤيا الصائبة» ترك إرثاً إعلامياً وثقافياً، وسمعةً طيّبة، بعدما جسّد في حياته النموذج الأرقى ما بين الشعبين الفلسطيني والإماراتي، ونحن أحوج ما نكون إلى أمثاله في الظروف الحالكة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية.

رحم الله «أبو باسم»، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم زوجته نظمية خورشيد وأولاده، وشقيقه فيصل، وأهله وعائلته وأصدقاءه ومُحبيه، والجسم الإعلامي، الصبر والسلوان.