بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2022 12:00ص شعوب وتقاليد العبابدة والبشارية همزة وصل بشرية بين مصر والسودان

حجم الخط
يشكل العبابدة والبشارية همزة وصل بشرية بين مصر والسودان. طعامهم «العصيدة» وتعرف بـ«الجابوري»، وهو كناية عن قرص كبير من الدقيق المجبول بالماء يطمر في الرمال، ويوقد فوقه الحطب حتى يصبح جاهزاً للأكل بعد تنظيفه. ويأكل العبابدة والبشارية لحم الغزلان إذا قدر لهم ذلك أو الأرانب البرية إذا تمكنت كلابهم من اصطيادها، والغنم والماعز في المواسم والأفراح. أما الرعي فمهنة 80 في المائة منهم والباقون يعملون أدلاء للبعثات العلمية التي تفد إلى صحراء مصر الشرقية بحثاً عن البترول والذهب والنحاس .
فيما يعمل البعض الآخر في المناجم أو في صناعة الفحم بطريقة بدائية ـ أو في رفع الماء من الآبار الملوثة .
عادات العبابدة والبشارية وتقاليدهم هي نفسها التي كانت شائعة في العصور الأولى للإسلام وقد ساعد في المحافظة عليها عدم اتصال هذه القبائل بالحضارات الحديثة مما أبقى على روح الإيمان قوية في نفوسهم الأمر الذي يساعدهم على شظف العيش والحياة القاسية التي يسوقونها . 
دينياً لا يوجد عبادي أو بشاري واحد لا يصلي. فصغارهم وكبارهم يؤدون الصلاة في مواعيدها من دون أن يحفظوا شيئاً من آيات القرآن الكريم حتى انهم لا يتشهدون إذ إنهم لا يملكون أي وسيلة من وسائل التثقيف الديني ومحرومون من أي وسيلة من وسائل التعليم .
لدى العبابدة والبشارية ما يسمى «بالخلوة» وهي مكان يتم فيه تحفيظ القرآن للصغار من دون شرح آياته ولا غرابة في هذا لأن الشرح عملية تتطلب استقراراً لا يملكونه فهم في ترحال إلى حيث يهطل المطر .
والرعي مهنتهم الأساسية وأماكن مراعيهم يحددها سقوط الأمطار فوق الجبال التي تتحول إلى سيول تجتاح كل شيء مخلفة وراءها البذور التي سرعان ما تشق طريقها نحو سطح الأرض لتنبت خضرة طيبة تسعى إليها أفواج العرب ـ كما يسمون أنفسهم ـ تصحبهم قطعانهم أما في حال الجفاف فتجتمع القبائل آتية من كل فج وصوب، وتذبح القرابين وتقيم صلاة الاستسقاء لأيام عدة. وهل من تصور لحال تلك القبائل مع انحباس المطر لثماني سنوات متتالية كما حدث في الفترة ما - بين العام 1971 و1979؟
إن الحياة البدائية لا تستطيع الافلات من ألاعيب الدجل والشعوذة واعتماد الغيبيات لالتماس الشفاء من الأمراض . ومع هذا فإن العبابدة والبشارية لا يؤمنون بالخرافات لكنه حين تنعدم الحيلة يلجأون إلى الكي بالنار لعلاج أمراضهم ووضع حد لآلامهم. ان إيمانهم بالطب والأطباء لا حدود له، فما أن يسمعوا بقدوم طبيب بصحبة إحدى بعثات الاستكشاف حتى يلتفون حوله سائلين عن دواء جديد يسرع بالتئام الجرح أو حبوب تخفف آلام المعدة أو العين المتعبة أو ترد النشاط إلى ساعد معطوب وقد يسمحون «للدكتور» بالدخول إلى خيامهم لتخفيف أوجاع النساء اللواتي لا يمكن لأي غريب رؤية وجوههن .
إن قوة إيمانهم تنظم حياتهم وتحصنهم من الخزعبلات فهم يتزوجون بعيداً من أي تدخل رسمي إذ ليس لديهم شهادة ميلاد أو وثيقة وفاة ولا بطاقة شخصية أو عائلية .
يتم الزواج عندهم على طريقة المسلمين الأوائل ويتم اعلان الزواج على جميع أفراد القبيلة خلال الاحتفال الذي يدعى إليه الجميع ويستمر لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع حسب مقدرة العريس على تحمل أعباء إقامة وإطعام المدعوين الذين قد يصل عددهم إلى الثلاثمائة شخص .
فركة كعب
وليمة الفرح تكون عادة من اللحم لذا يتولى العريس كل يوم ذبح العدد الكافي من الأغنام، وتعتبر هذه الاحتفالات محكاً لمقدرة العريس المادية لا يلبث أن يدفع مهراً ولا يغالي أهل العروس فيه كما انه يحضر جملاً هدية لعروسه ويقدم لها بعض الذهب اضافة إلى شراء الجهاز وهو عبارة عن مجموعة من الافراش الحصيرية» التي تصنع منها الخيمة ... وفرشة جديدة وقد ينصب خيمة أخرى لاستقبال الضيوف وأهم ما يراعى في هذه الخيمة بابها الذي يجب ان يكون في اتجاه معاكس لموقع خيمة النساء .
يعيش العبابدة والبشارية عادة في تجمعات صغيرة وتضم قبيلة العبابدة سبعة بطون وأفخاذ منها : الحميداب والسعداللاب والمليكاب والفرجاب .
في الأفراح يلبس الجميع أزهى الملابس وأنظفها ويتوجهون إلى مكان الاحتفال حفاة كان بينهم وبين الأحذية عداء حيث يتبارز الشباب بالسيوف أو يرقصون «الهوسيب، رقصتهم الجماعية التي يتراصون فيها صفاً واحداً ويحركون اجسامهم على نحو رتيب، وهم يتمتمون كلمات غير مفهومة كما يصفقون بين الحين والحين. .
لا يمانع هؤلاء إن أخذت لهم صوراً أثناء الرقص أما إذا سألتهم تصوير النساء فهم يعترضون بشدة لأنهم لا يسمحون إلا بتصوير الناس وكلمة «الناس» عندهم تعني الرجال فقط .
في منطقة «بيرابرق» التي تبعد عن شاطىء البحر الأحمر حوالي مائة كيلومتر، وعن أسوان حوالي مائتي كيلومتر يوجد مقام «سيدي حميد» وهو أحد أجداد العبابدة الصالحين، وبمناسبة عيد مولده تجتمع القبائل من جميع الانحاء وتنحر الذبائح وتتصافى النفوس ليعودوا بعدها إلى ديارهم محملين ببركاته، «ويا سعد» من يخيل إليه أن الشيخ حميد يناديه إذ يهرع إليه ولو كان في آخر الدنيا .
أما أصحاب النفوس الضعيفة فإن أحداً منهم لم يطأ هذه الأرض أو يدخل «مقام سيدنا» . . . وإذا راودته نفسه وحاول دخول المقام فستنتهي حياته على نحو ما..
ولا يجسر أحد من ذوي النفوس غير الطاهرة من ولوج مقام «سيدنا» لأن القبيلة أدخلت في روعه أن أفعى تحرس مقام الشيخ تنهي حياة من هم أمثاله.