بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تموز 2021 08:13ص في لبنان بدائل الديكتاتوريات العنف والفوضى في اقتصاد الأزمات

حجم الخط
أمام المفترقات المصيرية التي نشهدها اليوم، أي نوع من المجتمعات سيكون عليه لبنان الغد؟ وهل يمكن أن يصمد النموذج الاقتصادي - الاجتماعي - السياسي الذي درج عليه منذ الاستقلال تحت معاول الأزمات الخطيرة المتتالية التي دمّرت حتى الآن الجزء الأكبر من بنية البلد الاجتماعية بدءا من انهيار الطبقة الوسطى وصولا الى ازدياد الطبقات الفقيرة والمحرومة فقرا وحرمانا؟

الدروس السياسية - الاقتصادية هنا من مجتمعات معينة، تبدو مفيدة، ومنها انه بعد الآمال التي دغدغت أحلام الطبقة الوسطى في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بنوع من الاشتراكية والديموقراطية تحقق لها الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، أصيبت هذه الطبقة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى بالإحباط واليأس من كل السياسيين والأحزاب الذين أدّى فشلهم أساسا الى نشوب الحرب والأزمة النقدية الجامحة، حتى بات العمل السياسي والحزبي بعد الحرب موضع مهانة وسخرية وازدراء على طريقة «كلن يعني كلن» التي تسود في لبنان اليوم. وزاد من حدّة الوضع، الإنهيار شبه الكامل للطبقة الوسطى التي أفقدتها تعويضات ما بعد الحرب، ادخاراتها بسبب التضخم المالي وما تبعه من أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة كان من ضحاياها بقايا سلطة الدولة وبنية العائلة وتفكك الروابط الاجتماعية، ما فتح الباب على مصراعيه لأزمات وزارية متلاحقة على الطريقة التي نشهدها في لبنان اليوم، انتهت الى فوضى عارمة ومعارك ميدانية في الشوارع بين الأحزاب الرئيسية.

فقد أدّى انهيار ثقة الأجيال الجديدة بكل السلطة السياسية الى احباط اجتماعي لدى هذه الأجيال لم تجد مخرجا منه سوى في تدمير كل ما تبقّى من معالم الديموقراطية والسلطات الاجتماعية والمؤسسات الأهلية عن طريق اللجوء الى النازية الشعبوية التي وجد المواطن المحبط في انتمائه الى آلياتها الإعلامية الضخمة وشعاراتها «الوطنية» وإيديولوجياتها «القومية» المتطرفة تعويضا له عن ضآلة دوره ومعنوياته وقيمه الاجتماعية بسبب الانهيار النقدي والمالي، ودون أن تتمكن أحزاب منظومات المجتمع المدني المعتدلة والسلمية أو مؤسسات الدولة البرلمانية «الديموقراطية» من وقف موجة العنف والفوضى. وهكذا وقعت الدولة وكل المجتمع في قبضة التطرف والديكتاتورية السياسية والعسكرية.

وكم يبدو هذا الدرس السياسي مفيدا في الحالة اللبنانية الراهنة، حيث انهيار المواطن اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، يطرح الأسئلة حول تداعيات ونتائج هذا الانهيار على ما يسمّى بـ «المؤسسات» السياسية والإدارية الحكومية، وهل يمكن أن تنتهي الى نموذج سياسي متطرف على الطريقة النازية التي انتهت إليها أوضاع ما بعد الحرب في ألمانيا أو الطريقة الإرهابية التي انتهت إليها الثورة الفرنسية في «مقصلة» اليعاقبة، أو ديكتاتورية البروليتاريا العمالية التي انتهت إليها الثورة البلشفية في روسيا؟

الجواب أعطاه يوما ميشال شيحا بأن طبيعة التقاليد في لبنان - ويقصد بأن لبنان تحميه طوائفيته من أي ديكتاتورية محتملة - تقف حاجزا مانعا لأي حركات تطرف سياسي أو عسكري. وإذا كانت هذه «الرؤية» قد صحّت بدليل ان لبنان لم يشهد أي انقلاب عسكري على غرار الانقلابات التي شهدتها المنطقة في الجوار البعيد أو القريب، فأن ما قد يصح بالمقابل حدوث دورات متلاحقة لمسلسل طويل من العنف والفوضى هو أكثر خطورة وخطرا من الديكتاتوريات العسكرية، وعملا بالمقولة الشهيرة لكارل ماركس بأن العنف هو الرحم الوحيد لأي مجتمع جديد!