بيروت - لبنان

اخر الأخبار

خليك مع أسماء

19 أيلول 2020 12:38م اعترافات نساء ورجال في «الغرفة الحمراء» تشعل مواقع التواصل الاجتماعي

حجم الخط

هل سبق وتعاطفت مع رجل يمارس العنف على زوجته وأبناءه؟! هل سبق أن فكرت في ما يعانيه هذا المعنف؟ ما هي آلامه الشخصية التي تدفعه لتعنيف أقرب الناس اليه؟

لا أعتقد أننا فكرنا في أي من تلك الأسئلة، لأن جريمة العنف التي تصل بمداها في أحيان كثيرة الى القتل، واحداث عاهات جسدية مستديمة تمنعنا من رؤية المعنف كضحية. هو مجرم يستحق العقاب. ليس لأنه اعتدى بالضرب على زوجته مثلا أو أبناءه بل حطم أسرة بكاملة، وما يتركه ذلك من تداعيات نفسية لا يمحوها الزمن.

هذا باختصار ما توقفت عنده في المسلسل التركي "الغرفة الحمراء" kirmizi oda الذي بدأ عرضه في تركيا ضمن مسلسلات موسم الخريف، حيث استطاع من حلقته الأولى أن يتصدر المركز الثاني في الرايتغ، كونه الأول من نوعه الذي يغوص في المشاكل الاجتماعية - العائلية بعيدا عن قصص الحب الرومانسية المعتادة في المسلسلات التركية.

لمس هذا العمل العديد من العائلات، خصوصا بعد جرائم العنف التي وقعت في تركيا خلال العامين الماضيين. كما أنه يحقق نسبة مشاهدة مرتفعة على يوتيوب في العالم العربي، لأن قضية العنف ضد المرأة عالمية الطابع، ولا تقتصر على دولة بعينها.

جمع المسلسل حكايات متعددة في "الغرفة الحمراء" أو عيادة الطب النفسي، التي يقصدها الأبطال من النساء والرجال أي المعنفين والمعنفات، وداخلها نسمع ونشاهد قصص سبق أن سمعنا عنها كثيرا وأخرى لا تخطر على بال بشر!

في البداية قررت عدم مشاهدة المسلسل. "مش ناقصني هم وغم" و "اللي فينا مكفينا"، الا أن بعض الكلمات التي كتبت في مقدمة العمل دفعتني الى المتابعة، فهو يدعو المعنف الى التوقف عن عنفه، واعترف صناع العمل بأن القوانين والعقوبات القاسية التي تقرها الدول لم تنجح في منع العنف الأسري، لأنه "تصرف نتعلمه في الطفولة ويصبح عادة في الكبر". توقفت أيضا عند وصف كاتب المسلسل للمعنف بأنه "غاضب على الدنيا" و"لا يثق بأحد" فينتقم من الآخرين بـ "دفع ثمن آلامه".

لم أفكر أبدا في المعنف على هذا النحو؟!

ربما لأن فداحة جرمه باعتداءه على زوجته وأبناءه وتدمير العائلة نفسيا أكبر بكثير من التوقف عند مشاعره. هذه نقطة تحسب لمسلسل "الغرفة الحمراء" التي ظهرت جليا من خلال شخصية "محمد" التي يلعبها الممثل صالح بادمجي. موظف البنك الذي بدأ بتعنيف زوجته بالصراخ ثم شتمها أثناء حملها، ليتطور الأمر الى صفعها في السيارة بسبب الغيرة. من بعدها بدأت موجة الضرب الجهنمية التي لم تتوقف، لا بل زاد الأمر الى تشويه وجهها وضربها أمام أبناءهم، الذين لم يسلموا من عنف والدهم اللفظي والجسدي.

كان لافتا مشاهد عنف الأب "محمد" أثناء ضرب ابنه وتعنيفه. عاد بنا الكاتب الى مشاهد مماثلة على طريقة فلاش باك، حيث نرى الأب الذي عاش نفس العنف الجسدي واللفظي على يد والده، فيطبقه بحذافيره على ابنه، بمعنى آخر يفرغ فيه شحنة الغضب على العنف الذي عاشه في طفولته. ليس ذلك بل هو يعترف للطبيبة النفسية في الغرفة الحمراء عن عدم رغبته في الانفصال عن زوجته قائلا: "لا أستطيع الحياة دون عائلتي" لكنه أيضا لا يجد سبيلا للتوقف عن تعنيفهم.

أجزم بأن مسلسل "الغرفة الحمراء" رغم قسوة حكاياته الا أن النساء المعنفات يستحقون من يحكي عن آلامهن، وعجزهن عن مواجهة الضرب الذي يودي بحياتهن في أحيان كثيرة، وأوجاعهن النفسية جراء تحملهن الاهانة للحفاظ على الحياة الزوجية. نحتاج الى هذه الجرعة الحقيقية من واقعنا الصعب، عله وسيلة للتنفيس عن آلام نساء معنفات ورجال معنفين. كلا الطرفين في حاجة ماسة للتوعية بأن لا تسكت المرأة على الايذاء أما الرجل فعليه التوقف عن العنف.