بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

6 أيلول 2021 09:20ص السياسيون قلقون بعد أزمة اللاجئين السوريين لكن الوضع في أفغانستان مختلف تماماً

حجم الخط

خلال استفتاء عام 2016 بشأن "بريكست"، كشف رئيس حزب بريكست نايجل فاراج ملصق "نقطة الانهيار" سيء السمعة الخاص به، والذي يعرض صفاً من لاجئين يحاولون دخول أوروبا هرباً من الحرب الأهلية في سوريا، وكانت أزمة الهجرة هذه في بال السياسيين البريطانيين والأوروبيين، إذ تساءلوا بقلق عما إذا كان التاريخ سيعيد نفسه في أفغانستان.

وعلى الرغم من أن الملصق واجه استنكاراً من الحملة الرسمية المؤيدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي بقيادة رئيس الوزراء لاحقاً بوريس جونسون، كانت الحملة سعيدة تماماً بلعب ورقة الهجرة، وكان الأمر خالياً من الخجل لكنه نجح، فقد استخلص جونسون وحلفاؤه درساً: لن يفوقهم أحد يمينية.

وهذا يساعد في تفسير عدم سماح الحكومة سوى لـ 5 آلاف أفغاني بالمجيء إلى بريطانيا خلال السنة الأولى، وما مجمله 20 ألفاً خلال أجل بعيد غير محدد، ففي عقول السياسيين يندمج اللجوء والهجرة في أمر واحد، ويجادلون أحياناً بأن السبب يعود إلى أن الرأي العام ينظر بهذه الطريقة إلى المسألتين المنفصلتين، وعلى رغم أن وظيفة السياسيين هي القيادة لا التبعية، لم يقم جونسون ووزراؤه إلا بالقليل في هذا المجال.

ويشرح تصميمهم على حماية جناحهم الأيمن أيضاً خيبة أمل جونسون من فشل وزيرة الداخلية بريتي باتل في وقف مد المهاجرين العابرين للقناة الإنجليزية بأرقام قياسية في قوارب صغيرة، وتسمي باتل ذلك "هجرة غير شرعية" حتى على رغم طلب 98 في المئة من ركاب القوارب اللجوء فور وصولهم إلى المملكة المتحدة. ومشروع قانون الجنسية والحدود الذي أعدته ويدرسه البرلمان مصمم لترحيل أشخاص كهؤلاء، وهو واجه انتقاداً محقاً لعدم توفيره مسارات قانونية لطالبي اللجوء. وأشارت باتل هذا الأسبوع إلى أن الأفغان الذين سيعبرون القناة الإنجليزية لن يعاملوا بطريقة مختلفة عن الآخرين.

ودفاعاً عن برنامج إعادة التوطين قالت إن المملكة المتحدة "لا تستطيع استيعاب 200 ألف شخص دفعة واحدة"، في تكرار لقول بطلتها مارغريت ثاتشر إن البريطانيين يخشون "الغرق".

لكن ديفيد ديفيس الوزير السابق في الحكومة غير المعترف به عادة عضواً في النخبة الليبرالية للعاصمة، دعا إلى السماح بدخول 50 ألف سوري خلال الأشهر القليلة المقبلة، أما حزب العمال ففي حين أنه يحض الحكومة على التساهل أكثر، فإنه رفض تحديد رقم، فعلى غرار جونسون يضع زعيم الحزب نصب عينيه دائماً الناخبين في المناطق الموالية تاريخياً لحزبه.

من حيث المبدأ، يشعر الرأي العام بالدفء، يقول ستة من كل 10 إنهم فخورون بأن المملكة المتحدة حمت لاجئين منذ وقعت معاهدة الأمم المتحدة حول هذا الشأن قبل 70 سنة، لكن المخاوف الكامنة التي استغلتها الحملة المؤيدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي لا تزال موجودة، فوفق المؤسسة البحثية "يوغوف"، يعتقد ثلثا مؤيدي حزب العمال ومن صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي بأن على المملكة المتحدة واجباً أخلاقياً يتمثل في استقبال الأفغان الفارين من طالبان، لكن مؤيدي حزب المحافظين ومن صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي يتخذون الموقف المعاكس بنسبة 52 إلى 37 في المئة للمجموعة الأولى، وبنسبة 54 إلى 33 في المئة للمجموعة الثانية.

وفي شكل عام تدعم أغلبية (52 في المئة) وضع برنامج إعادة توطين للأفغان، ويتمثل الرأي الأكثر شعبية في السماح بدخول "بضع عشرات من الآلاف"، لكن في صفوف ناخبي حزب المحافظين يقتصر الأمر على "بضعة آلاف"، وهذا ما يبدو أنه أثر في قرار الحكومة.

وعلى الرغم من صعوبة تجنب الأرقام نشعر بقلق أكبر مما ينبغي في شأنها، ويرغب ساندر كاتوالا مدير مؤسسة "المستقبل البريطاني" البحثية، تجنب الأرقام الرئيسة الكبيرة من خلال إضفاء صفة محلية على المسألة والتحدث عن وجود ستة إلى 25 لاجئاً في كل دائرة انتخابية، ويعتقد بأن من أفضل إبراز نجاحات برامج إعادة التوطين السابقة بدلاً من صياح "يا للعار" في وجه الحكومة لعدم بذلها مزيداً من الجهد، فذلك يمكن أن ينفر الناخبين الوسطيين أو غير المقررين.

تطارد أزمة اللاجئين السوريين كلاً من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، لكن الوضع اليوم مختلف جداً، فمعظم الأفغان الذين يودون المغادرة عالقون هناك وليس في بلدان مجاورة على غرار السوريين الذين فروا إلى تركيا والأردن ولبنان، ومن غير المرجح أن تتركهم "طالبان" يفرون.

وفي شكل حاسم يغير الاتحاد الأوروبي سياسته الخاصة بالهجرة منذ عام 2015، فعزز وكالته الحدودية "فرونتكس" على أمل منع تكرار ما حصل، وتتخذ تركيا التي كانت مساراً رئيساً للدخول المرة الماضية، موقفاً أكثر صلابة، فقد نشرت 750 فرداً من قوات النخبة على حدودها مع إيران وتربطها الآن معاهدة حول الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك تبنت اليونان موقفاً متشدداً.

أما باتل، المتخوفة من مشكلة أكبر حتى في القناة الإنجليزية نتيجة لأحداث أفغانستان، فحضت الاتحاد الأوروبي على بذل مزيد من الجهد، لكنها وجدت نفسها وقد تفوق عليها رئيس وسطي، ففي تناقض حاد مع نهج الحدود المفتوحة الذي اتبعته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2015، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرنسا بخطة متينة "تستبق من خلالها موجة مهاجرين من أفغانستان وتحمي بها نفسها"، فهو قريباً سيخوض انتخابات في مواجهة الجبهة الوطنية اليمينية.

وسيتخذ الاتحاد الأوروبي ككل موقفاً أكثر صلابة مقارنة بموقفه عام 2015، فما من مؤشر إلى المناقشة حول "الانفتاح في مقابل الانغلاق" التي قسمته وقتئذ، والهدف هذه المرة هو إبقاء الأزمة عند أبعد مسافة ممكنة من حدود الاتحاد الأوروبي، وما أمام السياسيين البريطانيين ليقلقوا في شأنه أقل بكثير مما يظنون.

المصدر: اندبندنت