بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تشرين الثاني 2022 12:00ص 11 يوماً على فراغ قصر بعبدا من سيّده كيف وصل رؤساء الجمهورية في زمن الانتداب؟ (1/2)

شارل دباس شارل دباس
حجم الخط
يدخل لبنان يومه الحادي عشر في ظل الشغور في موقع رئاسة الجمهورية من دون أن تلوح في الأفق أي بادرة لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري، فجلسة أمس الخميس انتهت كسابقاتها الى التأجيل، ومن سمع تعليقات ممثلو الأمة بعد تأجيل الجلسة الى الخميس المقبل في 17 تشرين الثاني التي ستحمل رقم «الجلسة السادسة»، سيجعله يحزن على المستوى المتدني الذي وصلت إليه الحياة السياسية والدستورية في البلد، من تواضع لم يعرفها اللبنانيون حتى في زمن الانتداب حينما بدأت الحياة الدستورية وصار للبلد برلمانه وحكومته ورئيسه، تحت رعاية الانتداب ومفوضه السامي.
في ذلك الزمان، كانت ولاية أول رئيس للبنان وهو الأرثوذكسي شارل دباس والممددة لثلاث سنوات شارفت على نهايتها (كانت ولاية رئيس الجمهورية حسب الدستور مدتها ثلاث سنوات، فتم في 26 أيار 1926 انتخاب أول رئيس للجمهورية)، وكان واضحا منذ أواسط عام 1931 أن المنافسة على منصب الرئاسة بين شخصين هما: بشارة الخوري وإميل إده، وكان لكل منهما وفي المجلس النيابي وبين رجال الانتداب أنصار ومؤيدون، وكل منهما يطمح الى الرئاسة، فإن لم يوافقه الحظ، فلا بد من الحؤول دون فوز خصمه.
وكما يؤكد يوسف سالم في كتابه (50 سنة مع الناس) ان الشيخ بشارة الخوري رشّح نفسه بموافقة دوائر الانتداب وفي مقدمها هنري بونسو المفوض السامي نفسه، وصارت المناورات السياسية جزءا من الوصول الى الحكم أو لإبعاد المنافسين، وهنا كاد المسلم السنّي الشيخ محمد الجسر أن يصبح رئيسا للجمهورية خلفا للأرثوذكسي شارل دباس، وفي التفاصيل كما يرويها يوسف سالم: «أدرك إميل إده ان لا أمل له بالرئاسة، فهمس الى الشيخ الجسر رئيس مجلس النواب أن يرشح نفسه لها، ووعده بدعم ترشيحه وإعطائه صوته وأصوات الذين يماشونه في المجلس، وكانت تلك المرة الأولى التي يترشح فيها مسلم لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ومن المفارقات اللبنانية التي تبدو غريبة لمن يجهل تعاريج السياسة اللبنانية الداخلية، وتصارع الأحزاب أن كثيرين من النواب المسيحيين وفي مقدمهم إميل إده كانوا يؤيدون الشيخ الجسر، وأن كثيرين من النواب المسلمين دعموا ترشيح الشيخ بشارة، وبعد أن أدركت المفوضية الفرنسية العليا ان ترشيح الشيخ محمد الجسر، لم يكن مناورة سياسية منه أو من إميل إده، بل قضية جدّية، بدأت تضغط على النواب لتأييد بشارة الخوري» (راجع «اللواء» عدد 13 حزيران 2022).
مساء الأحد الثامن من أيار 1932 ذهب بونسو بسيارة عادية الى بكركي، منعا للفت الأنظار، وهمس في أذن البطريرك عريضة انه سيحل المجلس النيابي ويقيل الحكومة ويوقف الحياة النيابية (50 سنة مع الناس - مصدر سبق ذكره).
في صباح التاسع من أيار، أصدر المفوض السامي قرارا حمل الرقم ل/56، كلّف بموجبه شارل دباس بصفته الحالية، بوظائف رئيس الحكومة، وبتكليف المديرين اللبنانيين مهمة إنجاز الأمور تحت سلطة رئيس الحكومة مباشرة واعتبار مهمة الوزراء الحاليين منتهية، وبوقف جلسات المجلس النيابي. وبشكل أدق علّق بونسو الحياة الدستورية في البلد، التي استمرت حتى 21 كانون الثاني 1934.
في 13 تشرين الأول عيّن المسيو دو مارتيل الذي كان سفيرا لفرنسا في الصين مفوضا ساميا خلفا لمسيو بونسو، وما أن تسلّم دو مارتيل مهامه حتى فكّر جدّيا بتبديل الأوضاع المؤقتة، وفي الصدد يقول الرئيس بشارة الخوري: «انه كان معروفا لدى الجميع أن بطريرك الموارنة آنئذ يريد حبيب باشا السعد رئيسا للجمهورية، وشاع انه لم يسكت على وقف الدستور وتولية دباس، إلا بعد أن أخذ وعدا قاطعا من المسيو بونسو بأن يكون السعد خلفا لدباس».
في آخر العام 1933 قدّم الرئيس شارل دباس استقالته، فأصدر المفوض السامي قرارا بتعيين حبيب باشا السعد رئيسا للجمهورية سنة واحدة تبدأ في آخر كانون الثاني 1934، على أن يفصل تعيينه عن تسلّمه الحكم مدة شهر واحد تكون فترة انتقال، لا يعمل فيها الرئيس الجديد أي عمل حكومي، ويتولى الحاكم الاشراف على الانتخابات، كما خفض المفوض السامي عدد نواب البرلمان الى 25 عضوا، منهم 18 نائبا ينتخبهم الشعب وسبعة يعيّنون بقرار من المفوض السامي، على أن تكون مدة المجلس النيابي أربع سنوات. وفي شهر كانون الثاني 1934 وقعت الانتخابات، وكانت الثلوج تتساقط في المناطق الجبلية. وحين اكتمال المجلس النيابي انتخب شارل دباس رئيسا له بإيعاز من الفوض السامي دو ماتيل وفي 28 كانون الثاني تسلّم حبيب السعد رئاسة الجمهورية، وتم تعيين عبدالله بيهم أمين سر دولة. وفي 20 كانون الثاني 1936 انتهت رئاسة شارل دباس، وفي ذلك اليوم دُعي المجلس النيابي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد أن كان المفوض دو مارتيل قد أصدر قرارا في شهر كانون الأول 1935 بانتخاب رئيس لمدة 3 سنوات غير قابلة للتجديد.