بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 نيسان 2021 12:02ص 13 نيسان.. عن حروب اللبنانيين التي لا تنتهي

حجم الخط
يستعيد اللبنانيون سنوياً في مثل هذه الأيام من نيسان ذكرى حربهم الأهلية طارحين أسئلتهم العبثية التي ستستمر من دون أجوبة وأهمها وأكثرها جدلية: هل تحل الحرب علينا من جديد؟

تتخذ الأسئلة إلحاحها عند المفاصل المتوترة في الحياة السياسية الداخلية كما هو حادث اليوم وسط مخاوف من فوضى إجتماعية. لكن طرحها في حد ذاته له مغزاه المعبر وهو أن السلطة اللبنانية لم ترتق الى مستوى حكم الدولة الجامعة لكل الفئات. وذلك طبيعي بعد التجارب المريرة التي مر بها سكان هذا «الوطن» الذي جُمعت كياناته على عجل قبل مئة عام وضُمت مناطقه الجغرافية لتكوين بلد ملتبس في الهوية والدور والهدف.

ومن غير الظلم اعتبار ان قرار إنشاء لبنان لم يكن لينفصل عن القرار الخارجي في توليد كيانات طائفية في المنطقة التي كانت تُرسم ملامحها على جثة الامبراطورية الثمانية وعلى هوى المستعمر الغربي في ذلك الزمان.

طبعا، ترافق هذا القرار مع صدور وعد بلفور لإنشاء كيان يهودي في المنطقة شكلت ولادته واحدة من مآسي لبنان والدول العربية المحيطة بإسرائيل. ولهشاشة ذلك الوطن المفترض، فقد كان عرضة للتشتت وللمؤامرات والانقسامات الطائفية في كل مراحله. 

والواقع ان كذبة ما بعد النشوء تحت عنوان معركة الاستقلال عن المنتدب الفرنسي تمخضت عن دولة فاشلة وحكم طوائفي كشر عن انيابه سريعا في كل استحقاق لينفجر في الخمسينيات حربا اهلية مصغرة واصطفافات مع الخارج القريب والبعيد. وتعاطف الطرف المسلم مع المد القومي العربي بينما اختار المسيحي الرياح الغربية التي كانت تصيغ أحلافها في المنطقة، فكانت ثورة العام 1958.

لم يتعظ اللبنانيون. وخاضوا الاصطفاف نفسه في الستينيات تحت عنوان الصراع مع إسرائيل وتأييد القضية الفلسطينية، وكان الطريق ممهدا للوصول الى الاحتراب الاهلي الكبير في العام 1975. 

لكننا لا نجافي الحقيقة إذا اعتبرنا ان نواة ذلك الاحتراب كانت الظلامات الاجتماعية والسياسية في النظام اللبناني ومجتمعه، فاعتلى المسلمون صهوة الجواد الفلسطيني لضرب ذلك النظام، بينما خاض المسيحيون بغالبيتهم ما اعتبروه حرب وجود ونية فلسطينية مُتوهمة لديهم للاستيلاء على «الوطن المسيحي» ووصل الأمر بالبعض للتعامل مع إسرائيل وهو ما سبق النزاع الكبير بسنوات.

والحال أن وجهة نظر تاريخية تحضر هنا ومؤداها انه مهما كانت حداثة النظام السياسي اللبناني وعدالته، فإن الحرب الاهلية كانت ستحدث والنزاعات كانت لتستمر بعدها الى اليوم كما هو حاصل. هو رأي قد يكون صحيحا، لكن الفشل في التوصل الى اتفاق شامل يلحظ إصلاح ذلك النظام الطائفي المتخلف، يعد سببا رئيسيا في استيلاد النزاعات التي تتوالد بالدماء. 

وقد كانت المهمة الرئيسية لإتفاق الطائف في العام 1989، وقف سيلان تلك الدماء وتوفير بعض اصلاحيات للطرف المسلم وانتزاعها من الجانب المسيحي. وتوهم كثيرون ان الدستور الجديد قد توصل الى حل للمعضلة اللبنانية، خاصة وان مرحلة ما بعد السلم الأهلي تميزت بإزدهار إقتصادي وعملية اعادة للإعمار، لكن عملية البناء السياسي والدولتي كانت ايضا ظالمة بحق القيادات المسيحية كما بعض الاحزاب الاسلامية التي لم تماشي المرحلة ورعاتها الداخليين والخارجيين.

في العام 2005، كان الانفجار الكبير الذي أعاد اللبنانيين الى مخاوفهم مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم يكن ذلك الحدث عابرا، فهو كان فاتحة لتقسيم لبناني مرير وإثبات على فشل داخلي في الحكم بعد استقرار اتضحت هشاشته في الزمن السوري.

مذذاك غزت الأسئلة حول الحرب من جديد قلوب اللبنانيين والعقول وغذتها الأحداث المتوترة على الارض التي اتخذت من السؤال حول الهوية والدور معناها. فاستعيدت الاصطفافات الاهلية التي ادت الى انفجار العام 75 من دون اجابات، برغم اتفاق اللبنانيين في الدوحة في العام 2008، لكن ذلك الاتفاق لم يجب على الأسئلة الصعبة مع فشل الطائف في تأمين مظلة استقرار للنظام السياسي الفاشل مع حكامه.

واليوم، تعود المخاوف من الحرب بالسلاح والكلمة، لكن مع المعاني الخطيرة التي لم تكن حاضرة بهذه القوة في السابق. فالخشية من الفوضى وانهيار العملة الوطنية وسرقة أموال اللبنانيين تعتبر عوامل قد تؤسس الى شروخات خطيرة في بنية المجتمع السائر نحو مجاعة محتومة والجريمة المنظمة على جثة تحلل الدولة، اذا ما قيض للأمور ان تستمر على هذا النحو وهي الأقسى منذ ولادة الكيان في العام 1920. 

ليس الحل لمأساة اللبنانيين حاضرا لدى السياسيين، كما ان من غير الممكن الاتفاق على نظام حكم جديد، والتسوية المرحلية الوحيدة هي بتطبيق اتفاق الطائف كما جاء به صائغوه قبل 32 عاما والاستماع الى صوت لبنانيين كثر صدح في 17 تشرين 2019، عبر قانون جديد غير طائفي للانتخابات يعيد صياغة الحكم في البلاد على أساس مدني وعادل.

من دون ذلك ستبقى مخاوف اللبنانيين من حروب جديدة قائمة ومبررة.. وربما تتحقق في أي وقت!