16 يوما مرَّت على الشغور في منصب رئاسة الجمهورية من دون أن يلوح في الأفق بصيص أمل بنهاية سريعة لهذا الشغور، في وقت يتوقع فيه أن تكون الجلسة الانتخابية السادسة غدا على طريقة سابقاتها الخمس، علما أن في الجلسة الخامسة أثيرت مسألة النصاب، في جلسة انتخاب الرئيس، وهي ليست المرة الأولى التي تثار فيها هذه المسألة، رغم ان 13 رئيسا في زمن الاستقلال تم انتخابهم بالإضافة الى اثنين من أصل ستة رؤساء في زمن الانتداب، تم انتخابهم على أساس نصاب الثلثين.
في زمن الانتداب
وفي الوقائع، فإن مجلسي النواب والشيوخ عقدوا مجمعا نيابيا بجميع أعضائهما الـ46 في 6 أيار 1926 وكان رئيس المجمع رئيس مجلس الشيوخ الشيخ محمد الجسر وانتخبوا بالإجماع الأرثوذكسي شارل دباس رئيسا للجمهورية لمدة ثلاث سنوات.
أما الرئيس الثاني الذي تم انتخابه في عهد الانتداب الفرنسي في 20 كانون الثاني 1936، فكان الرئيس إميل إده الذي انتخبه مجلس النواب (من 30 كانون الثاني1934 - 5 حزيران 1937) المؤلف من 25 عضوا (18 بالانتخاب و7 بالتعيين)، فنال في الدورة الأولى 13 صوتا مقابل 12 لبشارة الخوري، فأعيد الانتخاب مرة ثانية فنال إده 14 صوتا، مقابل 11 للخوري، وكان الصوت الـ14 لإده من كميل شمعون عضو الكتلة الدستورية التي يرأسها بشارة الخوري.
في العهد الاستقلالي
أما في العهد الاستقلالي، فقد كان عدد أعضاء مجلس النواب المنتخب في زمن الانتداب 55 عضوا وبدأت ولايته في 21 أيلول 1943، حيث اجتمع المجلس برئاسة أكبر الأعضاء سنا، وكان النائب جورج زوين، وانتخب أولا رئيس المجلس النيابي فكان نائب البقاع صبري حمادة، الذي باشر على الفور عملية الاقتراع لرئيس الجمهورية، فكانت النتيجة على النحو الآتي:
المقترعون 47 نائبا، 44 منهم أيّدوا الرئيس بشارة الخوري، ووجدت ثلاث أوراق بيضاء، كما غاب عن هذه الجلسة النواب: إميل إده، كمال جنبلاط، أسعد البستاني، جورج عقل، عبد الغني الخطيب، جميل تلحوق، وأيوب تابت.
وفي 9 نيسان 1948 تم التوقيع من قبل 46 نائبا من أصل 55 نائبا للتجديد للرئيس بشارة الخوري الذي اضطر الى الاستقالة قبل 3 أيام من منتصف ولايته المجددة.
وفي 23 أيلول 1952 كانت جلسة انتخاب الرئيس الاستقلالي الثاني كميل شمعون، وكان عدد أعضاء المجلس النيابي قد أصبح 77 نائبا، فحضر الجلسة 76 نائبا، فانتخب شمعون 74 نائبا ووجدت ورقة بيضاء وورقة باسم عبدالله الحاج.
في 4 آب 1958 تم انتخاب اللواء فؤاد شهاب من قبل مجلس النواب الذي صار عدد أعضائه 66 نائبا، حضر منهم 56 نائبا، فانتخب شهاب بأكثرية 48 نائبا ووجدت ورقة بيضاء وسبع أوراق باسم ريمون إدّه.
وفي 18 آب 1964 انتخب الرئيس شارل حلو بحضور جميع أعضاء المجلس النيابي الـ99، نال منها الرئيس حلو 92 صوتا ووجدت ورقتان بيضاوان وخمسة أوراق بإسم بيار الجميل.
ويوم الإثنين في 17 آب 1970 تم انتخاب الرئيس سليمان فرنجية في دورة اقتراع ثانية بأغلبية 50 صوتا مقابل 49 صوتا لإلياس سركيس.
وفي جلسة انتخاب الرئيس إلياس سركيس التي عقدت في قصر منصور في 8 أيار 1976 كان عدد أعضاء المجلس النيابي قد أصبح 97 نائبا بعد وفاة نائبين، حضر منهم 68 نائبا، فنال سركيس في الدورة الأولى 63 صوتا ووجدت 5 أوراق بيضاء، ونال في الدورة الثانية 66 صوتا.
فتوى فرنسية
في العام 1982 طلب حزب الكتائب و«القوات اللبنانية» فتوى من أحد الفقهاء الفرنسيين في القانون الدستوري بشأن انتخاب بشير الجميل، فأكد على نصاب الثلثين من أعضاء المجلس النيابي قانونا، أي 66 نائبا، على اعتبار أن المجلس النيابي كان قبل الطائف يتألف من 99 نائبا. لكن الرئيس كامل الأسعد وهيئة مكتب المجلس آنئذ أفتوا بثلثي أعضاء المجلس النيابي الأحياء، وبالتالي فإن النصاب كان في تلك الجلسة 62 نائبا، لأن المجلس النيابي كان قد فَقدَ سبعة نواب بالوفاة. وقاطع هذه الجلسة 30 نائبا كانوا يخططون لحشد 31 نائبا ليطيّروا النصاب لكنهم عجزوا عن ذلك، وبقي ينقصهم نائب واحد فقط لإنجاز مشروعهم.
بعد اغتيال بشير الجميل، انتخب النائب أمين الجميل بحضور 80 نائبا من أصل 90 نائبا أحياء، فنال الجميل 77 صوتا ووجدت 3 أوراق بيضاء.
بعد الطائف
ترك الرئيس أمين الجميل الحكم بلا انتخاب خلف له في 22 أيلول 1988 واستمر الفراغ الرئاسي حتى إنجاز اتفاق الطائف، حيث تم انتخاب الرئيس رينيه معوض في مطار القليعات الأحد في الخامس من تشرين الثاني 1989، بحضور 58 نائبا من أصل 73 نائبا، نال منهم معوض في دورة الاقتراع الثانية 52 صوتا ووجدت 6 أوراق بيضاء وفي نفس الجلسة أقسم اليمين متسلّما سلطاته الدستورية لكنه اغتيل بعد 17 يوما، لينتخب خلفه في 24 تشرين الثاني 1989 الرئيس إلياس الهراوي بعد يومين في بارك أوتيل شتورا بأكثرية 47 نائبا ووجدت 5 أوراق بيضاء وقد مددت ولايته بموجب تعديل دستوري لمرة واحدة لمدة ثلاث سنوات، ليتم بعدها انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود الثلاثاء في 13 تشرين الأول 1998، بأكثرية ساحقة بلغت 118 نائبا حضروا الجلسة، من أصل 128 نائبا بعد تعديل دستوري لمرة واحدة يسمح له بالترشح للرئاسة، وهو أقسم اليمين وتسلّم سلطاته الدستورية في 24 تشرين الثاني، ومددت ولايته بتعديل دستوري لمرة واحدة لمدة ثلاث سنوات.
وفي 23 تشرين الثاني 2007 غادر الرئيس لحود القصر الجمهوري من دون أن يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد
ويوم الأحد في 25 أيار 2008 تم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا بحضور 127 نائبا، نال منهم 118 صوتا ووجدت 6 أوراق بيضاء و3 أوراق بأسماء مختلفة، وانتهى عهده في 24 أيار 2014 بفراغ رئاسي استمر حتى 31 تشرين الأول 2016. حيث انتخب العماد ميشال عون بحضور 127 نائبا فكانت نتيجة الاقتراع في الدورة الأولى 84 صوتاً، فجرت دورة ثانية (تكررت 3 مرات) نال فيها 83 صوتاً، وأصبح بذلك الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية.
يتضح مما تقدّم ان نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية منذ العام 1926 كانت على الدوام ثلثا أعضاء المجلس النيابي. وبالتالي فان الدستور والأعراف والممارسة كانت دائما تؤكد على نصاب ثلثي أعضاء المجلس النيابي.