حدّدت المادة 73 من الدستور المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق النص الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مما يعني انه مع حلول الأول من أيلول المقبل، يمكن لرئيس مجلس النواب أن يحدّد جلسة انتخاب الرئيس الجديد في لبنان.
منذ أول رئيس للجمهورية في العام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي (1918-1943)، حتى الآن عرف لبنان 19 رئيسا كان أولهم شارل دباس وآخرهم ميشال عون.
كان العام 1976، يفترض أن يحمل استحقاقين دستوريين هامين هما: انتخاب مجلس نيابي جديد والذي تنتهي ولايته في مطلع الصيف، وانتخاب رئيس جمهورية جديد.
على الصعيد الأول، كان واضحا أن تطور الأمور لا يسمح بإجراء الانتخابات، ولهذا طرحت في الأوساط السياسية والنيابية قضية التمديد للمجلس المنتخب عام 1972، فكان ان أحال مجلس الوزراء في جلسته في 14 كانون الثاني 1976 مشروع قانون بتمديد ولاية النواب سنة كاملة، بدءا من انتهاء مدة ولايته.
تعديل المادة 73 من الدستور
وعند العاشرة من قبل ظهر السبت في 10 نيسان، اجتمع مجلس النواب في قصر منصور (العسيلي سابقا) الذي يملكه النائب الراحل حسين منصور، لتعديل المادة 73 من الدستور، بحضور 90 نائبا من أصل 98 نائبا (كان النائب الرئيس صبري حمادة قد توفي في 21 كانون الثاني)، فاستمرت هذه الجلسة 11 دقيقة فقط، في خمس دقائق تمّت عملية تعديل المادة 73 من الدستور، أما الدقائق الست الأخيرة فكانت لكلمتين قصيرتين; الأولى لرئيس مجلس النواب كامل الأسعد، والثانية لرئيس الحكومة رشيد كرامي. وصار نص المادة73 على النحو الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، وينتهي العمل بهذا التعديل في 23/9/1976».
في 24 نيسان أعلن رسميا ان الرئيس فرنجية وقّع قانون تعديل المادة 73، بعد طول أخذ ورد، وأحاله الى رئاسة المجلس للتبليغ. وهكذا أعلن الرئيس كامل الأسعد عن تحديد جلسة انتخاب الرئيس في الأول من أيار 1976، فانصرف اللبنانيون والعرب، وخصوصا سوريا، والقوى الدولية الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الى معركة رئاسة الجمهورية.
4 مرشحين للرئاسة
كان أول من أعلن عن ترشيح نفسه العميد ريمون إده، كما أعلن الرئيس رشيد كرامي عن ترشيح حاكم مصرف لبنان إلياس سركيس الذي أعلن في 28 نيسان ترشيح نفسه رسميا، ولم يخفِ كميل شمعون رغبته في دخول السباق الرئاسي، كما أعلن الشاعر سعيد عقل في مؤتمر صحافي عقده في المقر العسكري لـ«حراس الأرز» عن ترشيح نفسه للرئاسة أيضا. لكن المرشحين الأبرزين بقيا سركيس وإده، خصوصا بعد ان أعلن كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية دعمهما لإده.
في 29 نيسان طلعت العديد من الأصوات التي تدعو الى تأجيل جلسة انتخاب الرئيس، وخصوصا من الرئيس شمعون، ومن كمال جنبلاط ومعه الأحزاب اليسارية الذين رفضوا انتخاب رئيس تحت الضغوطات ، كما ان 28 نائبا أطلقوا على أنفسهم اسم «تجمع النواب المستقلين» عقدوا اجتماعا في فندق البريستول وطالبوا بمرشح ثالث غير إده وسركيس وطالبوا بالتأجيل.
الوحي صبّ باتجاه سركيس
في ذلك اليوم، وقّع الرئيس سليمان فرنجية مرسوما قضى بإعادة ضباط المكتب الثاني الى الخدمة، والضباط الذين شملهم هذا المرسوم هم: المقدم الركن كمال عبد الملك، المقدم الركن سامي الشيخة، المقدم الركن سامي الخطيب، النقيب نعيم فرح، النقيب جان ناصيف، والنقيب جورج حروق، وقد أوحت خطوة الرئيس فرنجية هذه، بأن إلياس سركيس هو الذي سينتخب رئيسا للجمهورية أيا كان المرشح أمامه.
بأي حال، فقد أعلن الرئيس الأسعد في نهاية ذلك اليوم الطويل، تأجيل جلسة انتخاب الرئيس الى 8 أيار، بعد أن تلقّى طلبا بذلك من 64 نائبا.
وفعلا عقدت يوم السبت في 8 أيار 1976 جلسة انتخاب الرئيس في قصر منصور، وسط أجواء حرب حقيقية، وانتخب المرشح الوحيد إلياس سركيس رئيسا للجمهورية، وهو الرئيس السادس في عهد الاستقلال، بعد أن نال في دورة الانتخاب الأولى 63 صوتا ووجدت خمس أوراق بيضاء ونال في الدورة الثانية أكثرية 66 صوتا من أصل 69 حضروا الجلسة.
هكذا انتخب الرئيس سركيس في الثامن من أيار 1976، لكنه لم يستلم مهامه الدستورية إلا بعد أربعة أشهر و15 يوما، أي في الثالث والعشرين من أيلول، لأن الرئيس سليمان فرنجية رفض أن يسلّم خلفه إلا في اليوم الأخير من ولايته، بالرغم من العريضة النيابية التي كان قد وقّعها 66 نائبا يطالبون فيها الرئيس بالتنحي.
(يتبع)