بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 آب 2022 12:00ص 19 رئيساً عرفهم لبنان منذ 1926... بينهم 6 في زمن الانتداب -7-

أمين الجميل بدل أخيه بعد رفض سركيس اقتراح فرنسي بالتمديد لسنتين

أمين الجميل أمين الجميل
حجم الخط
حددت المادة 73 من الدستور المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق النص الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مما يعني انه مع حلول الأول من أيلول المقبل، يمكن لرئيس مجلس النواب أن يحدّد جلسة انتخاب الرئيس الجديد في لبنان.
منذ أول رئيس للجمهورية في العام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي (1918 - 1943)، حتى الآن عرف لبنان 19 رئيسا كان أولهم شارل دباس وآخرهم ميشال عون.

بعد يومين من انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية بدأت القوات الفلسطينية والجيش السوري الخروج من بيروت، إثر وصول القوات المتعددة الجنسيات، وذلك عملاً بالاتفاق الذي توصل إليه المبعوث الأميركي - اللبناني الأصل فيليب حبيب مع كل من الرئيس السوري حافظ الأسد، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي غادر مرفأ بيروت بعد خروج كل القوات الفلسطينية في الثلاثين من آب 1982 إلى العاصمة اليونانية، أثينا.
بشير في نهاريا
في الأول من أيلول 1982 توجه الرئيس المنتخب بشير الجميل إلى نهاريا حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، ووزيري الدفاع والخارجية أرييل شارون وإسحاق شامير، وحسب المراسل السياسي للإذاعة الإسرائيلية شيمون شيفر، فقد «تبادل بيغن وبشير في مستهل هذا اللقاء الكلمات الترحيبية، ثم انفردا في اجتماع في حجرة جانبية ليتابعا المحادثات في ما بينهما، التي تخللها نقاش حاد استمر حتى وقت متأخر من الليل، تقرر في نهايته تشكيل لجنة رسمية من ممثلين من دوائر رئيس الحكومة ووزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيلية، ومن شخصيات رفيعة المستوى من إدارة الجميل مهمتها البحث في مستقبل العلاقات بين إسرائيل ولبنان».
ويؤكد شيفر، أن الجميل «خرج من هذا اللقاء مستاء من لهجة بيغن، واستشاط غضباً، عندما أعلنت الإذاعة الإسرائيلية خبر اللقاء، لأنه كان مقتنعاً بأن هذا التسريب مقصود لإرباكه، والحد من مجال اتصالاته مع الأوساط الإسلامية في لبنان».
وإذ كان لافتاً آنئذ ما صدر عن مكتب الرئيس المنتخب من نفي لما بثته الإذاعة الإسرائيلية عن هذا اللقاء، فإن كريم بقرادوني يؤكد هذا الاجتماع ويقول: «في أول أيلول توجه بشير الجميل إلى نهاريا واجتمع برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وعاد في حالة غضب ظاهر، وقال لي: مش ماشي الحال مع إسرائيل، بيغن يريد مني أن أوقع معاهدة سلام فورية، وقد رفضت طلبه، وقلت له: بإمكانك أن تعتقلني ولكن ليس بإمكانك أن تحملني على توقيع معاهدة لست مقتنعاً بها، وكان هذا الاجتماع على حد قول بشير أنه من أسوأ الاجتماعات في حياته».
ويعلق كريم بقرادوني على هذا اللقاء ونتائجه فيقول: «شعرت أن بشيراً يعي تماماً مسؤولية الرئاسة ومستلزمات الحكم والوحدة والسيادة فتفاءلت وقلت له: حسناً فعلت برفضك الانصياع لبيغن، وبرأيي أننا سنواجه صراعاً أميركياً - إسرائيلياً حول لبنان، فالقيادة الإسرائيلية تستعجل إبرام كامب دايفيد لبناني جديد من دون أميركا، وأميركا مستعجلة لتوسيع كامب دايفيد السابق بإدخال الأردن، وفي الوقت نفسه لا هذه ولا تلك تفرد للمصلحة اللبنانية موقعاً في أولوية اهتماماتها». ويشدّد بقرادوني، على أنه «بعد اجتماع نهاريا، أدرك بشير أن علاقته بإسرائيل لن تكون سهلة واتجه إلى الاعتماد على أميركا، وصادف وصول كسبار وينبرغر وزير الدفاع الأميركي إلى بيروت لكي يتفقد القوة المتعددة الجنسيات، وعرض عليه بشير أن تعتمد واشنطن الأراضي والموانئ اللبنانية قاعدة عسكرية واستراتيجية لها في الشرق الأوسط. وكان بشير يعتقد أن هذا الاقتراح في حال تنفيذه، يجعل من لبنان منطقة أميركية، ولا تعود تتجرأ إسرائيل ولا غيرها على التدخل في شؤون لبنان الداخلية، أو المس بسيادته الوطنية وسلامة أراضيه، وقد فوجئ الوزير الأميركي بهذا العرض واستغربه، لكنه وعد بنقله إلى البيت الأبيض.
وواصل الرئيس المنتخب تحركاته السريعة واتصالاته، وكان أبرزها آنئذٍ الاجتماع مع الرئيس صائب سلام الذي أكد بعد اللقاء أن الشعور كان متبادلاً بالثقة والتفهم والتفاهم.
اغتيال بشير 
وقال: لبنان من دون التوافق الإسلامي - المسيحي ومن دون الديمقراطية البرلمانية السليمة لا يستمر وسيستمر لبنان. وبعد اتصالاته العربية التي كان يجريها الرئيس المنتخب مع العديد من الأوساط العربية أراد أن يوسّع دائرة هذه الاتصالات، وخصوصاً مع سورية، ويقول كريم بقرادوني في هذا الخصوص: «التقينا أنا وبشير وإلياس سركيس وجوني عبده، وعهد الرئيس سركيس بناء على طلب بشير، إلى العميد سامي الخطيب قائد قوات الردع العربية الذهاب إلى دمشق لتأمين اجتماع لي ولجوني عبده مع القيادة السورية، فور تسلّم بشير مقاليد الحكم، وعاد الخطيب برد إيجابي مبدئي بشأن هذا الاجتماع، على أن يتم تحديد موعده لاحقاً لكن هذا الاجتماع لم يتم قط، لأن الرئيس المنتخب بشير الجميل اغتيل يوم الثلاثاء في 14 أيلول 1982.
كان اغتيال الرئيس المنتخب ذريعة لوزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون ورئيس أركانه رفول ايتان، بالاتفاق مع رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ليندفع الجيش الإسرائيلي ابتداء من الساعة الحادية عشرة ليلاً لاحتلال بيروت الغربية، بعد أن كانت قد أزيلت جميع الموانع والسواتر الترابية والدشم من مداخل الشطر الغربي من العاصمة قبل أيام قليلة جداً، وخلالها ارتكبت الفظائع في صبرا وشاتيلا.
نحن بيت الجميل مش معمولين تنعمل رؤساء
في خضم التطورات التي رافقت اغتيال الرئيس بشير الجميل تركز الاهتمام على انتخاب خلف للرئيس الراحل، وخصوصاً أن أقل من عشرة أيام كانت تفصل عن نهاية ولاية الرئيس إلياس سركيس الذي رفض أي شكل من أشكال التمديد بالرغم من تمنيات جهات محلية وإقليمية ودولية عليه بذلك، وأول إعلان للترشيح لانتخاب رئاسة الجمهورية كان إعلان حزب الكتائب عن ترشيح النائب أمين الجميل إثر اغتيال الرئيس المنتخب، ويتحدث كريم بقرادوني عن كيفية هذا الترشيح فيقول: «في تلك الليلة الحزينة - ليلة اغتيال بشير - صعد بعض أعضاء المكتب السياسي لحزب الكتائب إلى منزل رئيسه بيار الجميل في بكفيا، وما أن فاتحوه برغبتهم في ترشيح أمين حتى انتفض قائلاً: (نحن بيت الجميل مش معمولين تنعمل رؤساء، أنا حذّرت بشير من مغبة ترشيحه، والآن أحذّركم من مغبة ترشيح أمين)، وفهم العارفون بحقيقة مقصد بيار الجميل، فدعوا إلى اجتماع للمكتب السياسي في غيابه. في اليوم التالي، تقرر ترشيح أمين الجميل بالاجماع، ومنذ تلك الفترة، كان بيار الجميل، يردد كلما اختلف أحد منا مع أمين: «أنا لم أرشحه، أنتم الذين رشحتموه، ووضعتموه على الصليب فتحمّلوا مسؤوليتكم».
في 17 أيلول 1982، أعلن المجلس السياسي الأعلى لحزب الوطنيين الأحرار ترشيح الرئيس كميل شمعون للرئاسة، وبهذا انحصرت معركة الرئاسة هذه المرة بين الرئيس شمعون والنائب أمين الجميل.
تعددت الاتصالات واللقاءات السرية والعلنية بين كل الأطراف، وبدأت المداخلات الخارجية في هذا الاستحقاق تلعب دورها.. وسرعان ما بدأ اللاعبون الكبار يحددون مواقفهم، على حد تعبير كريم بقرادوني الذي يقول: «في 16 أيلول صعد وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون إلى بكفيا لتقديم التعازي بوفاة بشير ولأخذ الضمانات بأن أمين ملتزم بسياسة بشير، واختلى شارون مع بيار وأمين الجميل اللذين أكدا له أنهما أطّلعا على محضر آخر اجتماع بينه وبين بشير، وأنهما يلتزمان بمضمونه، وقد أدّت هذه الضمانات إلى اتخاذ موقف سريع من الحكومة الإسرائيلية بتأييد أمين، وقُرّ الرأي الأميركي على دعم الجميل بدلاً من شمعون بعد أن أجرى فيليب حبيب اتصالات مكثفة مع مختلف الأطراف المعنية، وقرر الرئيس رونالد ريغان إيفاد القوات المتعددة الجنسية إلى بيروت مجدداً وتمسكه بالمبادرة الأميركية لحل أزمة لبنان والشرق الأوسط.
«وتحركت فرنسا من جهتها، وأوفدت مبعوثاً اقترح التمديد للرئيس سركيس ولو لفترة عامين، وتأليف حكومة اتحاد وطني، لكن سركيس رفض هذا العرض بحزم، وأبلغ الجانب الفرنسي أنه لن يبقى دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته في 23 أيلول».
أما على الصعيد الإسلامي فإن أول المبادرين كان الرئيس صائب سلام الذي أعلن باسم التجمع الإسلامي عن تأييده لأمين الجميل، وكذلك فعل رئيس مجلس النواب كامل الأسعد وكتلته النيابية... وهكذا بدا أن النائب أمين الجميل هو الأوفر حظاً للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية.
أمين الجميل رئيساً
في يوم 18 أيلول عيّن رئيس مجلس النواب كامل الأسعد يوم 21/9/1982 موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس المنتخب بشير الجميل، وذلك قبل يومين من انتهاء ولاية الرئيس إلياس سركيس.
في العشرين من أيلول، أعلن الرئيس كميل شمعون عزوفه عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية وأوضح أن سبب عزوفه هو «ما سوف يفرض على من يشغل رئاسة الجمهورية من صلح منفرد يحرم لبنان من كل تعاون مع دول الجامعة العربية ويجعله معزولاً عن الشرق العربي».
في الحادي والعشرين من أيلول 1982 اجتمع مجلس النواب في المدرسة الحربية في الفياضية، وانتخب في الدورة الأولى، بأكثرية 77 صوتاً من أصل 80 نائباً حضروا الجلسة، النائب أمين الجميل رئيساً للجمهورية.
لقد وصل المحظوظ جداً إلى المركز الأول في لبنان، فهو تماماً كما يصفه كريم بقرادوني: «لقد حالف الحظ أمين منذ بداية حياته، وكان قدره أن ينجح حيث يفشل الآخرون، ورث النيابة عن خاله موريس الجميل، الموسوعة الفكرية المشدودة إلى التجديد والعصرنة والذي توفي قبل أوانه في عام 1970، فخلفه أمين نائباً عن المتن الشمالي عن عمر يناهز الثامنة والعشرين، وكان أصغر النواب سناً، وورث الزعامة عن أبيه بيار، الذي أسس أكبر الأحزاب اللبنانية واقتطع فيه أمين مكانة مرموقة، وحوّل منطقة المتن إلى إمارة خاصة به، وورث أخيراً الرئاسة في 21 أيلول 1982 عن شقيقه بشير الذي اغتيل في 14 أيلول 1982 رئيساً للجمهورية، فخلفه وهو في الأربعين من العمر، فصار أصغر رئيس جمهورية يحكم».
لقد تحالف أمين الجميل والحظ دائماً، حتى أن بقرادوني ينقل عنه «يوم 14 أيلول ظهراً كان العالم يعتقد أنني انتهيت، وبعد الظهر من اليوم ذاته صرت رئيساً للجمهورية». بدأ الرئيس الجميل ولايته وهو يتمتع بدعم محلي وإقليمي ودولي قلّ نظيره، لكنه آثر من كل هذا، الدعم الأميركي، معتقداً أن مسؤولية الحل تقع على عاتق الأميركيين فقط، وأنهم وحدهم القادرون على ذلك، ويعكس كريم بقرادوني هذ الواقع فيقول: «سرعان ما وقع أمين في الوهج الأميركي، واعتقد أن بمقدوره أن لا يقدم على خيار إسرائيلي رداً على سياسة شقيقه، ولا على خيار سوريا رداً على سياسة الياس سركيس، بل على خيار أميركي يتخطى القدرتين، السورية والإسرائيلية معاً، وراح يتصرف وكأنه الخيار الأميركي في الشرق الأوسط، وأخذ يلزم الأميركيين مسؤولية إيجاد الحل، وتبنى طبيعياً الاقتراح الأميركي ببدء المفاوضات الإسرائيلية - اللبنانية بمعزل عن سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية».