بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آب 2022 12:00ص 19 رئيساً عرفهم لبنان منذ 1926 بينهم ستة في زمن الانتداب -8-

أمين الجميل يُنهي عهده بأول فراغ رئاسي يشهده لبنان منذ الاستقلال

أمين الجميل أمين الجميل
حجم الخط
حددت المادة 73 من الدستور المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق النص الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مما يعني انه مع حلول الأول من أيلول المقبل، يمكن لرئيس مجلس النواب أن يحدّد جلسة انتخاب الرئيس الجديد في لبنان.
منذ أول رئيس للجمهورية في العام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي (1918-1943)، حتى الآن عرف لبنان 19 رئيسا كان أولهم شارل دباس وآخرهم ميشال عون.

دخل العام 1988، الذي يفترض أن يشهد انتخاب رئيس جمهورية جديد، في ظل استمرار التدهور المخيف في سعر الليرة اللبنانية.
ومع ان أكثر من جهة لبنانية، وخصوصاً في المنطقة الشرقية، كانت قد لفتت نظر الرئيس أمين الجميل إلى ضرورة الاعداد لتأمين خلف له، خشية الوقوع في فراغ دستوري، لكن وكما يؤكد كريم بقرادوني فقد «كان الجميل يعيش تجاذباً بين رغبة وواقع: رغبة في التمديد وواقع استحالته».
ترشيح الرئيس سليمان فرنجية
في منتصف شهر آب 1988 أعلن الرئيس سليمان فرنجية ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. وعيّن رئيس مجلس النواب حسين الحسيني يوم 8 آب موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية، لكن نصاب المجلس لم يكتمل حيث عمل كل من أمين الجميل وسمير جعجع وميشال عون مع اختلاف كل واحد في حساباته، على منع عقد هذه الجلسة. فراح الجميل وجعجع يعملان لمنع النواب من الوصول إلى مجلس النواب للحؤول دون اكتمال النصاب. وفي الليل وزعت القوات اللبنانية مسلحين في المنطقة الشرقية لمنع النواب من الوصول إلى المجلس. وتعاون معهم الجميل وعون في هذا السعي، ولو لأهداف مختلفة. الجميل يأمل بأن يكون الرئيس الجديد صديقاً له يتعاون معه ويعطيه كرئيس سابق دوراً في الشأن العام، أما عون فشارك في الحؤول دون الانتخاب خشية أن يكتمل النصاب وينتخب المجلس سليمان فرنجية. لقد كان يريد تأجيل العملية ريثما يشعر انه له فرصة جيدة لترشيح نفسه واحتمال انتخابه رئيساً.
ويروي الوزير السابق إيلي سالم: «ويوم الانتخاب، خطف بعض النواب الذين تجرأوا على تحدّي الحواجز، حتى الظهر حين أعلن إلغاء الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب. وحين زرت أحد النواب في وقت لاحق لتهنئته بالإفراج عنه، راح يروي قصته أمام الزائرين قائلاً بتأثر: فيما كنت أتوجه بسيارتي إلى المجلس، أوقفني المسلحون، وطلبوا مني هويتي فقلت لهم انني نائب ذاهب إلى المجلس للقيام بواجبي الوطني.. ها.. ها.. أجاب المسلحون.. نائب يا له من صيد ثمين».
في 13 أيلول 1988، أعلن عن وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد مورفي الى لبنان وسوريا للعمل على إيجاد مرشّح تتفق عليه دمشق والقيادات المسيحية.
أسماء للرئاسة 
ويقول كريم بقرادوني، انه في «يوم وصول مورفي إلى الشرق الأوسط، عقد اجتماع ضم الرئيس الجميل، وسمير جعجع وكريم بقرادوني، ومدير الاستخبارات في الجيش العقيد سيمون قسيس، وتم الاتفاق على تزويد مورفي بالأسماء الثلاثة المتفق عليها أي: رينيه معوض، ميشال إده وبيار حلو.. وفي اليوم التالي، أي في 14 أيلول أبلغت اللائحة إلى السفير كيلي، لكن الدكتور إيلي سالم مستشار الرئيس الجميل أعطاه لائحة مغايرة تضم كلا من بيار حلو، ميشال إده ومانويل يونس بدلاً من رينيه معوض»، فأصرّ بقرادوني على اللائحة المتفق عليها، وأصرّ كيلي على عدم تسلّمها فسارع بقرادوني للاتصال بالرئيس الجميل وسمير جعجع، وبعد مراجعات مضنية تمّ الاتفاق على إبلاغ كيلي أربعة أسماء ليحملها مورفي إلى دمشق وهي: حلو وإده ويونس ومعوض.
يوم 18 أيلول 1988 وصل مورفي إلى بيروت قادماً من دمشق، فاجتمع بالرئيس الجميل وأبلغه الاتفاق على النائب مخايل الضاهر كمرشح لرئاسة الجمهورية وكان ديفيد نيوتن مساعد مورفي، مجتمعاً في الوقت نفسه مع العماد عون الذي رفض ما أسماه بـ«التعيين»، ثم اجتمع نيوتن مع جعجع وبقرادوني في منزل القائم بالأعمال الأميركي دانيال سمسون، فأبلغاه رفضهما للضاهر على أساس انه مخالف للمبادرة الأميركية.
مخايل الضاهر أو الفوضى
ويقول بقرادوني في هذا السياق: «في بداية الاجتماع تلا علينا ديفيد نيوتن محضراً مطبوعاً يلخص فيه مضمون المحادثات الأميركية - السورية وعرفت لاحقاً ان نسخة عن المحضر ذاته تمّت قراءتها لأمين الجميل وميشال عون. وشرح لنا الدبلوماسي الأميركي ان المفاوضات مع دمشق كانت شاقة وطويلة، وقد عقد مورفي خمسة اجتماعات مع خدام كادت ان لا تصل إلى نتيجة حتى اللحظات الأخيرة، وكان المفاوض السوري في غاية التصلب، يطالب بالموافقة على الإصلاحات قبل الانتخابات والاتيان بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وبعد 18 ساعة وافق المسؤولون السوريون على أن يستبدلوا سليمان فرنجية بمخايل الضاهر كمرشح إجماع، وأن يرجئوا البت بالاصلاح السياسي إلى ما بعد الانتخابات.. وختم الدبلوماسي كلامه بالقول: «حاول مورفي أن يحصل من دمشق على اسم مرشّح ثانٍ فلم يوفّق، نعرف ان ما نعرضه عليكم صعب، ولكن ننصحكم بالقبول.. إما مخايل الضاهر وإما الفوضى».
في مساء ذاك اليوم عقد اجتماع موسّع في منزل الرئيس الجميل في بكفيا حضره فريق عمله المؤلف من جوزيف الهاشم وإيلي سالم وغسان تويني وسيمون قسيس وجميل نعمة، ورفيق شلالا وجوزيف أبو خليل وسمير جعجع وكريم بقرادوني وداني شمعون ونبيل كرم، ومارون حلو.
وتحدث الجميع فرفضوا نتائج محادثات مورفي في دمشق كما يُؤكّد كريم بقرادوني ما عدا جوزيف أبو خليل، الذي اقترح على الحضور التريث في الرفض وأن يدرسوا إمكانية القبول بالضاهر.
وكان أول فراغ رئاسي 
وحلّ يوم 22 أيلول 1988، حيث بقي أقل من 24 ساعة على انتهاء ولاية الرئيس الجميل، فبدا هذا اليوم طويلا ومحموما، وتردد أن الجميل عرض رئاسة الحكومة على الرئيس شارل حلو لكنه اعتذر، ورشح بيار حلو لكن الأخير رفض، لأنه لا يريد حكومة من دون المسلمين. وفي مساء الليل الأخير من ولاية الجميل، فاستدعى جميع الموجودين في القصر الجمهوري، إضافة الى العماد ميشال عون لتدارس الصيغ الحكومية، وكان آخرها ما قاله الرئيس الجميل كما يؤكد كريم بقرادوني في كتابه «لعنة وطن»: «أنا لا أؤلف حكومة إلا بموافقة سمير جعجع والعماد عون، وتوجه الى جعجع قائلا: هل تقبل أن يكون ميشال عون رئيسا للحكومة؟ وقبل أن يرد جعجع تدخّل عون قائلا: أنا لا أؤلف حكومة من سياسيين، أنا أستطيع أن أؤلف حكومة من المجلس العسكري الذي يضم كبار الضباط في الجيش ويمثل الطوائف الست الرئيسية».
في تلك اللحظة آنئذ، ولدت الحكومة العسكرية التي رفض الأعضاء المسلمون المشاركة فيها، وانتهت ولاية الجميل وصار القصر الجمهوري بلا رئيس. ومنذ 23 أيلول 1988 بدأ لبنان مع مرحلة جديدة من الأزمات والحروب التي انتهت باتفاق الطائف، منهيا أول فراغ رئاسي شهده لبنان منذ الاستقلال عام 1943 واستمر حتى أواخر 1989.
(يتبع)