قد يسأل سائل عما اذا كان العالم بأسره قد بات على باب قوسين او ادنى من كارثة عالمية تعيد الى الأذهان والذكرى مآسي وويلات الحرب العالمية الأولى ومن ثم الثانية، وبالتالي هل باتت الثالثة على الأبواب في ظل ما يجري ما بين اوكرانيا وروسيا حالياً من حرب، وامتداد وتداعيات ذلك على سائر الدول والأمم والشعوب من أخطار امنية وسياسية واقتصادية، وربما نووية، في حال لم يتم تدارك الأسوأ قبل فوات الأوان، اللهم الا في حال تفاهم الكبار من حكام هذا العالم، لا سيما ب. ب، اي بايدن - بوتين، وسائر الدول الأخرى، الأوروبية منها بشكل خاص، لوضع حد سريع لهذا التدهور وتلك الحرب التي قد لا تُبقي ولا تذر في عالم باتت تتحكم به الغرائز والعصبيات، حتى اصبح يشبه قبائل متناحرة في ما بينها، وربما تُختصر بحكام من اربع مجانين وبس.
لن اتطرق في مقالتي هذه الى اسباب وأبعاد الحرب الكونية بين روسيا وأوكرانيا، التي من شأنها ان تقضي على البشر والحجر، كما على الأخضر واليابس في تلك البلاد، كما لن أغوص في صراعات الدول والأمم والمصالح وتقسيم الحصص والنفوذ بين عالم الكبار من المتسلطين على شؤون العباد والناس دون هوادة او رحمة، وايضاً وايضاً لن ابدي رأياً كغيري الى أين ستؤول الأمور في تلك الحرب الدائرة، امتداداً الى اوروبا بشرقها وغربها وربما أبعد من ذلك بالجغرافيا والسياسة والأمن والإقتصاد لا لشيء بل لأنني أعلم علم اليقين انه في نهاية المطاف سيكون هناك خاسر ورابح، او على أبعد تقدير ستفرض التسويات نفسها على الكل ولكن قد يحصل ذلك بعد فوات الأوان على أنقاض تلك الدول وبعد بحر من سفك الدماء وتهجير الملايين من الناس الأبرياء وتدمير الإقتصاد العالمي عن سابق تصور وتصميم او عن قصد او غير قصد. لأن كل ذلك يصب في خانة لعبة الكبار في ملعب يفتقد العالم به الى ادنى حدود حقوق الانسان والعدالة والقيم وانسانية البشر.
اما السؤال الأهم بالنسبة لنا كلبنانيين يبقى يشكل هاجساً كبيراً عما يمكن ان ينعكس على لبنان من جراء تلك الحرب الكونية بين روسيا واوكرانيا، وقد بدأت طلائع تلك الإنعكاسات والتداعيات تظهر جلياً على الساحة اللبنانية راهناً في ظل معادلات وتشنجات ومهاترات وخلافات وبيانات بين المسؤولين والسياسيين والأحزاب والتيارات على اختلاف مشاربهم مما زاد في الطين بلّة واوصل البلد الى الدرك الخطير وشفير الهاوية وبات من المستحيل ان يقوم للبنان قائمة بعد كل ما نشهده يومياً من مثل تلك الخلافات والصراعات المتجذرة في النفوس قبل النصوص، واصحاب تلك الخلافات بات لا همّ لهم الا الحفاظ على مكتسباتهم وامتيازاتهم من جهة، او الحديث عن ترشيحات وانتخابات منتظرة، قد تحصل او قد تؤجل لأسباب مجهولة معروفة في آن معاً، على ان يبقى مصير ذاك الإستحقاق الدستوري رهناً بتلك الحكاية التي اصبحت «كحكاية ابريق الزيت» بل هي أكبر بكثير من الذين يخططون ويرسمون ويترشحون وينصِّبون انفسهم زعماء ومسؤولين عن شؤون البلاد والعباد في بلد الأرز لبنان.
لذلك سنترك الأمور تأخذ مجراها حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأن غداً لناظره قريب.
اما بيت القصيد فيبقى هو الأهم ويحتم على الجميع في هذا البلد للبحث والتفتيش عن حلول على كل الصعد والمستويات لبلسمة الجراح التي اصابت من الوطن مقتلاً او تكاد وجعلت منه تحت المجهر الإقليمي والدولي، لا محبة به وبناسه وشعبه وارضه وكيانه ومؤسساته بل لتشريح هذا البلد وفق خرائط ومعادلات جديدة ترسم وفقاً لمصالح الكبار قد تتقاسمه في ما بينها، على أمل ان تفشل مثل تلك المخططات الجهنمية الخطيرة لكي ينجو هذا الوطن الحبيب لبنان من مآرب ومؤامرات اقليمية ودولية خبيثة جداً.
اذن يبقى الرهان وحده سيد الموقف على ما تبقى من وعي لدى اللبنانيين وادراكهم للمخاطر التي تحيط ببلدهم من كل حدب وصوب لا سيما معيشياً واقتصادياً واجتماعياً امتداداً الى تداعيات امنية وسياسية اخرى، علّ وعسى ان يُلهم الله اللبنانيين جميعاً ولو القليل من الحكمة والتبصر والوعي الوطني لأن من يحكمون ويتحكمون بالعالم وبمصائر الشعوب ومستقبلهم باتوا يعدون على اقل من اصابع اليد الواحدة وهم وحدهم في الواجهة على الساحة الدولية وربما هذا العالم بات يحكم حالياً «بأربع مجانين وبس» … نجانا الله من الأعظم.