بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آب 2022 12:01ص أسرار الانتخابات الرئاسية في مذكرات صائب سلام (٣)

شهاب رئيساً باتفاق عبد الناصر مع الأميركيين.. وندمتُ لحشد التأييد له.. حاول السرّاج الحاقد على شهاب عرقلة انتخابه للحؤول دون وصول رئيس قوي في لبنان

حجم الخط
الإبحار مع مذكرات الرئيس صائب سلام هو في الواقع غوص في ثنايا تاريخ دولة الاستقلال، وما ميّزها من نجاحات باهرة حيناً، وما صادفها من كبوات موجعة وتحديات صارخة أحياناً. ذلك أن هذه المذكرات خرجت عن الصيغة التقليدية للسيرة الذاتية، وإهتم صاحبها بتأريخ لحظة الحدث أكثر من تركيزه على الرأي الشخصي أو الترويج لموقف سياسي، وهي بذلك تبقى مرجعا للباحث، وزادا للسياسي الصاعد، ومصدر إلهام وخبرة للأجيال الناشئة. 
من «لبنان واحد لا لبنانان»، في زمن الإنقسامات في الخمسينيات، إلى صيغة «التفهم والتفاهم» في زمن الصراعات وإنقطاع الحوارات في السبعينيات والثمانينيات، إلى الحرص على «لبنان الواحد بجناحيه المسلم والمسيحي» في زمن الإنتخابات العرجاء في مطلع التسعينيات. محطات لها تاريخ في مسار الوحدة الوطنية التي كان صائب سلام أبرز رموزها على مدى نصف قرن ونيّف.
ليس سهلاً الإحاطة، بهذه العجالة، بسفرٍ من ثلاثة أجزاء ويضم ألف وسبعمائة صفحة، فكان لا بد من إختيار محور واحد يتناسب مع الأحداث التي يعيشها لبنان حالياً، وهل ثمة أنسب من محور الإنتخابات الرئاسية، والبلد اليوم يعيش أجواء الإستحقاق الرئاسي في مرحلة من الإضطراب وعدم الإستقرار.
الحلقات ستغطي تباعاً أسرار الإنتخابات الرئاسية من إستقالة الشيخ بشارة الخوري إلى إنتخابات الرئيس إلياس الهراوي، وما تخللها من مناورات وصفقات وكرّ وفرّ هي من سمات المعارك الإنتخابية في لبنان. 

التهيئة لانتخاب «فؤاد شهاب» رئيساً

ولم أكن أدري، بما عرفناه بعد ذلك، أنّ الأميركيين كانوا قد اتّفقوا مع «عبد الناصر» على «فؤاد شهاب». ولم أكن بذلك أنفّذ أيّة تعليمات أتتني من مصر، أو ألبّي قراراً من «جمال عبد الناصر»، كما أشاعوا آنذاك، فذلك لم يكن صحيحاً.
بعد اجتماعي بـ«مورفي»، وعند وصولي إلى بيتي، تسلّمتُ رسالة خطيّة موجّهة إليّ من الشخصيات «الاثنتي عشرة» المقيمين في دمشق، نقلها إليّ الشابّ «فاروق جبر»، الذي كان صلة الوصل بيني وبين المجتمعين في «قصر العويني»، فيها العديد من الشروط، كان أبرزها عدم «قبولهم» برئيس عسكري للبنان، وكانوا يقصدون «فؤاد شهاب» دون أن يذكروا اسمه. وأجبتُ على الرسالة يومئذ لـ«فاروق جبر»، بعدما طرحتُها جانباً: 
– أنا لست بوسطجياً لأحد، قل للجميع إنّني مؤيّد لـ«فؤاد شهاب» حتى النهاية، ومن يعارض فليأخذ الموقف الذي يراه مناسباً، فأنا لست على استعداد لسماع فلسفات من «قصر العويني» ولا من «المقيمين» في دمشق، وإنّ أيّ واحد منهم لم يتحمّل أيّ عبء في الأوقات الحرجة التي جابهناها.
وموقف المجتمعين في «قصر العويني» كان أيضاً بتحريض من «إميل الخوري» الطامح إلى سدّة الرئاسة. وأمّا موقف الموجودين في دمشق، فإنّهم اتّخذوه باتّجاه من بعضهم، وبضغط من «السرّاج» الساعي لعرقلة انتخاب رئيس قويّ للبنان، ومن موقع حقده على «فؤاد شهاب»، فكلّ هم «السرّاج» انحصر وقتها بانتخاب رئيس للجمهورية يتيح له بسط نفوذه في لبنان، وكان ذلك يتناقض مع حقيقة موقف «عبد الناصر» واتّفاقه مع الاميركيين على انتخاب «شهاب»، وهذا ما عرفتُه في ما بعد.
كذلك فقد تأكّدتُ لاحقاً من حقيقة أهداف الأميركيين في بيروت، التي حدّدها لي «مورفي»، عندما روى لي «عبد الناصر» نفسه حين لقائنا في بداية العام 1959، فقد أخبرني أنّه كان في يوغوسلافيا وقت نزول «المارينز» على الشاطئ اللبناني، وبدلاً من العودة إلى مصر انتقل بطائرته رأساً إلى الاتّحاد السوفياتي، حيث لم يجد عند الروس ردّ فعل يتناسب مع هذا الحدث الدولي، ولا هم كانوا يرغبون بمواجهة الأميركان، ومع هذا، فقد عاد إلى دمشق وألقى خطاباً حماسياً متجاهلاً الموقف السوفياتي، لإثارة المشاعر القومية عند الجماهير المحتشدة... ما جعل الجميع يعتقدون أنّ الروس وراءہ في هذا الموقف.
وكم ندمتُ على موقفي من الإصرار على انتخاب «فؤاد شهاب»، عندما أدركتُ في ما بعد بالمعاناة الشخصيّة، ما كان يتّصف به «فؤاد شهاب» من ضعف في الثقافة، وتعصّب، بالإضافة إلى ضيق صدره، واتّجاهه الحاقد ضدّ المسلمين، على الرغم من السمعة غير الصحيحة من أنّه صديق للمسلمين، كما أشاع بعض مناصريه، ومنهم «تقيّ الدين الصلح» و«علي بزّي» اللذان كانا يلازمانه دائماً.
بالإضافة إلى هذا، فإنّني، وللتاريخ، أقرّر أنّ «فؤاد شهاب» كان العامل الأكبر، بواسطة «المكتب الثاني» العسكري، في تعطيل سير الديمقراطية في لبنان على الرغم من أنّني أدرك أنّ سيرها كان أعرج وليس كما نشتهي، وخصوصاً مع تسليط «المكتب الثاني» على أمور الدولة ورجالها وتشجيع الرشوة والفساد. وهذا ما كان «فؤاد شهاب» يتّهم به بعض اللبنانيين، من أنّهم «أكَلة الجبنة».
أمّا على صعيد التحرّكات الداخلية، فقد اتّصلتُ شخصياً أو عبر موفدين، بكلّ من البطريرك الماروني، و«بشارة الخوري»، و«هنري فرعون» لإبلاغهم بضرورة انتخاب «فؤاد شهاب» حرصاً على مصلحة لبنان، التي لا يحققها (يومذاك) سواه، بصفته قائداً للجيش، وخصوصاً في حالة الفوضى التي كان لبنان يتخبّط فيها.
كان موقف البطريرك مؤيّداً لي، وأرفق ذلك بقوله للشابّين اللذين أرسلتهما له، «سهيل الشمّاس» و«زهير الشيخ»:
– ليبقَ «صائب» على موقفه. ومن يعارضه فليمسح معارضته بجبّتي.
وهذا القول نفسه كان البطريرك يردّده أثناء «الثورة»، عندما كنتُ أرسل له بعض شبابنا المسلمين الذين كان الكتائبيون يخطفونهم، ويرسمون على أجسادهم بالنار إشارة الصليب، بهدف إثارة النعرات الطائفية. كان يقول أيضاً: 
– امسحوها بجبّتي.
أمّا «بشارة الخوري»، فكان، في نظري، أبرز المرشّحين للرئاسة في ذلك الحين، وبعد وقت قصير من اتّصالي به وإبلاغه موقفي تلفونياً ثمّ بواسطة «سهيل الشمّاس» و«زهير الشيخ»، أكّد «بشارة» لهما أنّ كلّ الحقّ معي ولا يمكن أن يضبط الأمر في لبنان اليوم سوى «فؤاد شهاب». تلقيتُ في ما بعد اتّصالاً هاتفياً من ابنه «ميشال» قال لي فيه، إنّ والده كلّفه إبلاغي موقفه المؤيّد لي.
وفي الصباح الباكر من العشرين من أيلول/سبتمبر 1958 طلبت من «هنري فرعون» الذهاب إلى المصنع (نقطة الحدود مع سوريا)، برفقة النائب «رينيه معوّض» الذي كان مقيماً عندي في البيت عقب قدومه من دمشق، حيث كان معظم مدّة الأحداث مع الاثنتي عشرة شخصيّة المقيمين هناك برعاية «السرّاج»، كي يصحبا النوّاب الموجودين في دمشق إلى بيروت للاشتراك في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقلت لـ«فرعون» و«معوّض» أن يبلغا النوّاب بموقفي المؤيّد لانتخاب «شهاب».
وعاد «فرعون» و«رينيه معوّض» ومعهما رئيس مجلس النوّاب «صبري حمادة»، وعدد من رفاقه الموجودين في دمشق، وعندما وصل «حمادة» توجّه مباشرة لمقابلتي في المصيطبة، وراح يقول أمام جميع الحضور:
– نحن قرّرنا جميعاً هناك (ويقصد النوّاب الموجودين في دمشق) معارضة انتخاب «فؤاد شهاب» رئيساً للجمهورية.

1958«شهاب» رئيساً للجمهورية

عندما تقرّرت جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في العشرين من أيلول/سبتمبر 1958، أُعلن ترشيح «فؤاد شهاب» و«ريمون إدّه». أمّا «إدّه» فرشّح نفسه حفاظاً على العملية الديمقراطية، حسب قوله، إذ كان يعرف أن لا حظّ له في الفوز... ولكي لا يقال إنّ الحكم في لبنان أصبح عسكرياً بإجماع النوّاب، وقد انسحب «إدّه» في دورة الاقتراع الثانية، بعدما نال في الدورة الأولى ثمانية أصوات... الأمر الذي حرم «فؤاد شهاب» من الفوز بثلثي المجلس من الدورة الأولى كما ينصّ الدستور، وفي الدورة الثانية فاز «شهاب» بإجماع النوّاب الحاضرين بمن فيهم «صبري حمادة» و«رينيه معوّض».
وبعد انتخاب الرئيس، دعوت كلّاً من «حسين العويني» و«عبد الله اليافي» و«رشيد كرامي»، وكنّا نحن الأربعة المرشّحين الوحيدين لرئاسة الحكومة المقبلة في مختلف الظروف، إلى اجتماع في الطابق السفلي من منزلي، وطلبت منهم أن نوحّد كلمتنا لجهة تسمية رئيس الوزراء، بدلاً من أن يصبح هذا الموضوع مجالاً للاختلاف بيننا في ما بعد، وكنت أرمي من هذا الاجتماع، إلى تبديد الفكرة السائدة لواقع مرير هو تسابق كلّ زعيم مسلم لنيل رئاسة الوزارة بأيّ ثمن. وبينما كانت الأجواء السياسية في الداخل والخارج ترشّحني لرئاسة الحكومة المقبلة، فإنّني تجاوزت ذلك واقترحتُ أن نتمثّل نحن الثلاثة في شخص واحد هو «رشيد كرامي». وكان «كرامي» شابّاً وعضواً في «جبهة الاتّحاد الوطني»، جبهتنا. وقد أثار هذا الترشيح استياء كلّ من «العويني» و«اليافي»، إذ كان كلّ منهما يمنّي نفسه بتشكيل الحكومة العتيدة، غير أنّ هذا الاستياء لم يدم طويلاً، فقد تركنا الاجتماع لننضمّ إلى النوّاب والشخصيات التي كانت في منزلي، وخرجنا جميعاً حيث كانت الجموع الشعبية والسياسية، وحملة السلاح، يحتشدون أمام المنزل ويسدّون طرقاته ومنافذه...
ألقيتُ فيهم كلمة وطنية حماسية، وطلبتُ منهم أن يعودوا جميعاً إلى حياتهم الطبيعية بعدما انتهينا من حكم «شمعون» واتّفقنا على رئيس جديد، وأعلمتهم أنّنا اتّخذنا موقفاً إسلامياً موحّداً لجهة تسمية رئيس الوزراء المقبل، وهو «رشيد كرامي» الذي نعتبر أنفسنا جميعاً ممثّلين به... وكانت تلك المرّة الأولى في لبنان التي يُختار فيها ممثّل للمسلمين جميعاً لرئاسة الحكومة، وقد منح هذا الإجماع الرئيس «كرامي» قوّة جماعية لم نتقن استعمالها في ما بعد مع الأسف.
مساء انتخابه رئيساً للجمهورية، اتّصل بي «فؤاد شهاب»، بواسطة «رينيه معوّض» طالباً منّي الاجتماع به، فتمّ ذلك في منزل «إبراهيم مردم بك»، أي في نفس المكان الذي اجتمعت فيه في السابق مع «المستر مورفي» وسفير أميركا، يوم طلب المندوب الأميركي «مورفي» مقابلتي. وكما في السابق، ذهبت إلى الاجتماع محاطاً بعدد وافر من الشباب لحراستي، وكان الرئيس «شهاب» قد وصل قبلي تحت حراسة عسكرية مشدّدة إلى درجة نافرة لا مبرّر لها، من «المكتب الثاني» ورئيسه «أنطون سعد» وزمرته، فقد وضعوا في كلّ زاوية شارع وعلى سطح كلّ منزل من الشوارع والمنازل القريبة من بيت «إبراهيم مردم بك» جندياً بكامل سلاحه. وقد أثار ذلك اشمئزازي... وكان هذا المشهد بالذات بداية الطريق الشاقة بيني وبين «المكتب الثاني»، الذي استمرّ في استعمال مثل هذه الوسائل لإيهام «فؤاد شهاب» بأنّه تحت الخطر الدائم، وتنفيذاً لما كان يتوخّاه من نفوذ عنده، وقد استغلّه في ما بعد إلى أقصى الحدود.
جرى البحث مع «شهاب» في ذلك الاجتماع – إلى جانب أمور أخرى – في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، فأعلمته بالموقف الذي اتّخذناه في منزلي، فلم يتجاوب مع اقتراحي بتسمية «رشيد كرامي»، وقال لي إنّهم ذكروا له شخصية لم يتمكّن من لفظ اسمها، وأضاف متذكّراً:
– «سمراني»، أو ما يشبه ذلك.
فقلتُ له:
– لعلّك تقصد «عبد الرحمن السحمراني» رئيس غرفة التجارة، لكنّ «السحمراني» غير مؤهّل سياسياً يا جنرال، ولا يستطيع لا هو ولا غيره تحمّل الوضع مثل رجال السياسة.
وفي حقيقة الأمر، فقد تملّكتني الدهشة عندما اكتشفتُ للمرّة الأولى في هذه الجلسة، كما تأكّد لي في ما بعد، جهْل «فؤاد شهاب» بالشخصيات اللبنانية.
في تلك الفترة، كنتُ أعقد الاجتماعات السياسية في الطابق الثاني من منزلي في المصيطبة، نظراً لما أصاب الطابق الأعلى من خراب بعد قصف دبّابات «شمعون» لنا أثناء الأحداث، وكان يحضر الاجتماعات معظم رجالات «جبهة الاتّحاد الوطني». وكنت أحرص على إبلاغهم نتائج اللقاءات مع «فؤاد شهاب»، وقد فاجأنا الأمير «عبد العزيز شهاب» بحضوره، وهو الذي كان اليد اليمنى لـ«شمعون» في ما وقع علينا من اضطهاد، ثمّ استقال بعد نهاية عهد «شمعون»، وأراد أن يبرّر موقفه، فانضمّ إلينا في الاجتماعات.

«شهاب» يرشّح «عمر الداعوق» لرئاسة الحكومة

ومساء أحد الأيّام، جاءني «رينيه معوّض» إلى «بستان الغدير» الذي يملكه «آل سلام»، حيث كنت قد أصبحت بعد انتهاء «الثورة» أكثر تحرّراً، فجعلتُ أمضي بعض الوقت في منزل أخي «محمد» المتوفّى حديثاً، في «بستان الغدير». وكان «رينيه معوّض» قد جعل من نفسه صلة وصْل بين «فؤاد شهاب» وبيني، وأبلغني «معوّض» في تلك الزيارة أنّ الرئيس «شهاب» يرشّح «عمر الداعوق» رئيساً للوزارة، و«ألفرد نقاش» وزيراً معه، فنظرتُ إلى «رينيه معوّض» بين مصدّق ومكذّب، وقلت له:
– ألا يدري الرئيس أنّ «عمر الداعوق» قد توفّاه الله عام 1949 أي منذ عشر سنوات؟ هل يُعقل يا «رينيه» أن يبلغ جهل رئيس الجمهورية بشخصيات البلد هذا الحدّ؟
وأضفت:
– أمّا الرئيس «ألفرد نقاش»، فمع تقديري له، فقد أصبح، مع تقدّمه في السنّ، من الطراز القديم الذي عفا عليه الزمن، وتجاوزتْه الأحداث.
وخرج «رينيه معوّض» من عندي لينقل للرئيس «شهاب» ما جرى بيننا، ثمّ عاد إليّ بموافقة «شهاب» على تكليف «رشيد كرامي» بتشكيل الحكومة، مقترحاً أن تضمّ الوزارة الجديدة عدداً من الوزراء كلّهم من خارج المجلس النيابي.
وتعدّدتْ لقاءاتي مع «شهاب» للتشاور في تشكيل الحكومة، وكان يرسل لي دبّابة للمواكبة، باعتبار أنّه كان عليّ أن أقطع «بيروت الشرقية» إلى منزله القريب من مقرّ الرئاسة في بلدة الذوق القريبة من مدينة جونيه، وقد عرّضني هذا التنقّل المحفوف بالمخاطر، لمضايقات متعدّدة، خصوصاً في منطقة الدورة، حيث كاد الوضع مرة ينقلب إلى مجزرة بين كتائبيين مسلّحين ومرافقيَّ المسلّحين، لكنّني تداركتُ الوضع وهدّأت الموقف بكلمات وطنية، شدّدت فيها على ضرورة طيّ صفحة الماضي، والانصراف إلى بناء لبنان مُشرق جديد.
وكنّا – «شهاب» وأنا – نناقش أسماء المرشحين لدخول الحكومة المقبلة، وتوصّلتُ أخيراً بعد عدد من الزيارات إلى اتّفاق معه على بعض الوزراء، فسمّيت له: «شارل حلو» و«يوسف السودا» عن الموارنة، و«فؤاد نجّار» عن الدروز. وكنت بذلك أنقل إليه رغبة «جبهة الاتّحاد الوطني»، التي قرّرتْ في اجتماع في منزلي أن تقوم حكومة قوية بتمثيلها الماروني، وتمّ اتّفاقنا على «شارل حلو» و«يوسف السودا» عن الموارنة، و«فؤاد نجّار» عن الدروز، بناءً على اقتراح رفيقنا في الجبهة «كمال جنبلاط». وتركنا لـ«أحمد الأسعد» و«صبري حمادة» حرّية اختيار الوزير الشيعي.
ولدى عودتي من لقاء «شهاب»، كانت «جبهة الاتّحاد» بكامل أعضائها تنتظرني في منزلي، وكان الوقت ليلاً، فأبلغتُهم بما جرى بين «شهاب» وبيني، والتفتُّ إلى «كمال جنبلاط» وقلت له إنّ الاتّفاق قد تمّ على مرشّحك الدرزي الذي «نقّيته» (أي اخترتَه) وهو المهندس «فؤاد نجّار».
ثمّ توجّهتُ بالحديث إلى «أحمد الأسعد» و«صبري حمادة» قائلاً لهما: 
– لقد تركنا لكما «تنقية» الوزير الشيعي.
فعلّق «جنبلاط» من مكانه بضحكته الساخرة المعروفة وقال بصوت عالٍ مشيراً إلى «صبري حمادة» و«أحمد الأسعد»:
– أنت «بتنقّي» وهو «بنقّي» وما بيجيش إلّا «علي بزّي» (أي لن يأتي إلّا «علي بزّي»).
وضحكنا جميعاً، وخاصّة «علي بزّي» الذي كان حاضراً الاجتماع، وكان «بزيّ» و«تقيّ الدين الصلح» معروفين بقربهما الشديد من «فؤاد شهاب».
وذهب قول «جنبلاط» هذا مثلاً دائماً في حالات مماثلة.
وفي ذلك الاجتماع تقرّر أن يكون الوزير الشيعي «محمد صفيّ الدين»، بعدما وافق «الأسعد» و«حمادة» عليه. وكانت النتيجة أنّ الحكومة تشكّلت من دون «علي بزّي».