بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2022 12:00ص «أمّ الكـــــــل» و «وبــيّ الصّهــــر»

حجم الخط
في وداع الجنرال عون لشعبه العونيّ، استحضرت مشهداً ما زال عالقاً في ذهني منذ أعوام، مشهد وداع عفويّ ووطنيّ صادق لرئيسة إحدى دول أميركا الجنوبيّة، نسيت اسم الدّولة ولا أعرف اسم الرّئيسة، لكنّ العلّامة «غوغل» لا يخذلنا!
بعد جهد بسيط وجدت ضالّتي، رئيسة «تشيلي» اسمها «ميشال باشليت»، لفتني جدًّا اسمها الأوّل، على اسم رئيسنا السّابق «ميشال عون».
أكملتُ القراءة فصدمتني بعض التّزامنات والتّشابهات، وأودّ لو تُصدمون، ثمّ تحزنون، معي، بعد قراءة موجزة لسيرة حياة السّيدة «ميشال باشليت» الخاصّة والسّياسيّة، ولدى القارئ الكريم من النّباهة والبداهة ما يمكّنه من التقاط الإشارات المناسبة.
ستلاحظ عزيزي القارئ عدّة مشتركات، سأتركها لك كمفاتيح تسهّل عليك عمليّة الرّبط والاستنتاج:
• الاشتراك في الاسم الأوّل: ميشال عون/ ميشال باشليت.
• اللّقب «بي الكل» / «أم الكل».
• النّفي.
• تولّي السّلطة مرّتين.
• الوداع الملفت.
أمّا الفوارق فعميقة حدّ التّناقض، ستكتشفها عزيزي القارئ دون عناء..
ولدت «ميشال باشليت» يوم 29 أيلول 1951، لعائلة في صلب السّياسة والعسكر، فقد قُتل والدها الجنرال «ألبيرتو باشيلي مارتينيز» بعد انقلاب 1974 بسبب التّعذيب أثناء التّحقيقات، وهو من أنصار «سيلفادور أليندي»، الرئيس الاشتراكي الذي قُتل بعد الانقلاب العسكري عام 1972.
اعتقلت «باشليت» هي وأمّها، بعد قتل والدها، قبل أن يتقرّر نفيهما عام 1975 إلى أستراليا، ثمّ ألمانيا، حيث واصلت دراسة الطّبّ وتخرّجت طبيبةً للأطفال.
عادت باشليت إلى بلادها عام 1979 وحصلت على دبلوم في الجراحة، وشاركت في العمل الاجتماعيّ، ثمّ تقلّدت مناصب وزاريّة عدّة، أوّلها الصّحّة، وأصبحت عام 2002 أوّل وزيرة للدّفاع في تاريخ «تشيلي» و«أميركا اللّاتينيّة»، إلى أن تولّت رئاسة البلاد بين عامي 2006 و2010 ثمّ بين عامي 2013 و 2018.
دخلت «أمّ الكلّ» القصر للمرّة الثّانية بعدما حكمت البلاد لمدّة رئاسيّة أولى بين 2006 و2010 لتعود إلى المنصب في انتخابات 2013، بنسبة تجاوزت 62% من أصوات النّاخبين، وعندما تركت منصبها كان أكثر من 80% من التّشيليين يطالبونها بالبقاء!
لكنّها رفضت احتراماً للدّستور الّذي يمنعها من البقاء في السّلطة لولايتين متتاليتين!
عام 2018 ودّع شعب «تشيلي» رئيسته المحبوبة «ميشال باشليت» بطريقة قلّ نظيرها، أثارت انتباه معظم وسائل الإعلام العالميّة، فلم تعتد شعوب دول أميركا اللاّتينيّة هذا القدر من الحبّ الصّادق بين الحاكم والمحكوم، خرج النّاس، عفويًّا بالورود والهتافات، والدّموع والعناق دليل على مدى التصاق «أمّ الكلّ» بأولادها.
أربعة أعوام مدّة حكمها، كما ينصّ الدّستور في «تشيلي» حقّقت فيها إنجازات ملموسة، فقد أمضت أشهرها الرّئاسيّة الثّلاثة الأولى في العمل على 36 تدبيراً وعدت بها في حملتها الانتخابيّة، ونفّذتها خلال 100 يوم من توليها المنصب، حيث وفّرت الرّعاية الصّحيّة المجّانيّة للمرضى كبار السّن وأقرّت مشاريع قوانين معقّدة لإصلاح نظام الضّمان الاجتماعيّ والنّظام الانتخابيّ. فارتفع معدّل النّموّ الاقتصاديّ، وتحسّن قطاع الصّحّة والتّعليم، ولمس التشيليّون المساواة بين مختلف أطياف الشّعب.
وعلى عكس عدد من الرّؤساء السّابقين في أميركا اللّاتينيّة، لم تتورّط الرّئيسة «باشليت» في قضايا الفساد الماليّ ولا الإداريّ، بل خرجت من مكتبها بمعاش تقاعديّ زهيد ورصيدٍ باذخٍ من حبّ النّاس واحترام الزّعماء والنّظراء.
من حُسن حظّ شعب «تشيلي» أنّ «باشليت» لا تعاني من متلازمة «هوبريس»، وليس لديها صهرٌ يعاني من متلازمة «بارافرينيا»، ومن سوء حظّنا أنّنا مصابون بسياسيين يمارسون أعراض متلازماتهم علينا..