بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 نيسان 2022 12:01ص أمّة العرب والأمل المنشود

حجم الخط
مع حلول شهر رمضان المبارك وما يحمله للمؤمنين من بركات ورحمات ومغفرة وعتق من النار وما يوجب عليهم من تصالح بدل التخاصم وتعاون بدل التقاتل والاعتصام بحبل الله تعالى جميعا دون تفرقة ودون تباغض، وأن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله ورسوله، كل هذه الأوامر والنواهي الإلهية لا تتحقق إلّا عندما تقترن بالعمل الجاد والمخلص وهنا نصر المؤمنين.

ونتساءل هل من صحوة لدولنا العربية تدفع قادتها إلى ما يصلح حال الأمة ويحميها من الحروب الدموية التي تفتك بمواطنيها وتجعل منهم مهجّرون من أوطانهم إلى بلاد أخرى؟ فضلا عما ينزل بهم وبعائلاتهم وأطفالهم من كوارث التشرّد والبؤس والإذلال والغرق في البحار والأنهار؟ وتستمر هذه الكوارث فتنزل بالأوطان الخراب والدمار الشامل الذي يصيب الحجر والشجر فتهدم البنايات والمنازل وتسقط الأبراج وتتحوّل العواصم إلى أطلال، مما تصنعه الأيدي العربية بأوطانها وبمواطنيها دون أن يرفّ للمسؤولين جفن أو مبادرة لوقف التقاتل الأخوي بل ينتظرون الدول الأجنبية، عدوّة أو صديقة، للمساهمة في إعادة البناء والإعمار دون الإقرار منهم بأن حروبهم هذه هي حروب جاهلية وحروب الدول الأخرى المعادية بكل المقاييس لكل ما هو عربي بل لكل ما هو إسلامي، والعمل جارٍ بمقولة معادية «فرّق تسدّ» يحققها المستعمر الذي ما زالت الأمة تعاني من نكباته واحتلالاته وتقسيماته للمنطقة ويمارسها من نظنّه صديقا أو جارا وهو لا يخفي مطامعه ببلادنا وبإنسانها وثرواتها ومد نفوذه لعواصم بلادنا العربية معلنا بلا خجل أنه ممسك بها وزارع بين ظهرانينا مليشيا مسلّحة تمنع وحدة الوطن ووحدة الشعب، وكل هؤلاء الأعداء ومدّعي الصداقة يقيمون القواعد العسكرية لهم في أقطار العرب وبرضى المسؤولين بحجة الدفاع عن ذواتهم وعن مراكزهم وأحيانا عن قبيلتهم، أما الوطن والمواطن فإلى الجحيم. ونقول بألم وحسرة ما أشبه أوطاننا بقبائل الجاهلية ما قبل الإسلام الحنيف حتى تلك القبائل وعند نزاعاتها وغزواتها أوجدت لها حلولا عقلانية وإنسانية وقيميا وأخلاقيا بعادات ومفاهيم ذاك الزمان، وهذا يذكّرنا بحلف الفضول وهو أحد أهم أحلاف الجاهلية التي شهدتها قريش قبل الإسلام الحنيف وعُقد في دار أحد سادات قريش بين عدد من عشائر مكة بعد شهر من حرب الفجار في شهر ذي القعدة العام 590م. وقد يتبيّن لنا أن العرب في زمن الجاهلية وعلى ما يبدو كانوا أكثر وعيا من قبائل هذا الزمان العجيب والغريب عن أمة العرب وحضارتها والإسلام الذي حملته لأمم الأرض أمنا وأمانا وعلما وحضارة.

انتقل الى زماننا ونكباته وكوارثه وما يجري فيه عالميا من تحوّلات ومسارات نحو فرض نظام عالمي لا يكون فيه للعرب دور ولا مساهمة بل وعلى ما يبدو سوف يفرض على أمتنا كوارث خطيرة وعليه أقول:

تابعنا ونتابع باهتمام كبير بعضا من الأخبار عن لقاءات دول عربية - عربية بين رؤساء منهم أو ممثلين لهم، وعن مشاريع تُدرس وتمنيات بعلاقات أخوية وتعاون عربي مثمر، ومثل هذه الأخبار تدخل سريعا الى عقولنا وقلوبنا وتستقر في وجداننا. فمنذ شهر قرأنا ملامح ترياق عربي تجسّد بإعلان شراكة وتعاون وتكامل بين ثلاث دول عربية أساسية هي: مصر والعراق والأردن، وفيه مبعث أمل بإشراقة عربية تعيد لأمة العرب بدولها وشعبها دورها الفاعل والحضاري بين دول العالم.

وقرأنا أيضا أن مجلس التعاون الخليجي يستضيف هذه الأيام، اللقاء التشاوري اليمني بهدف توفير الأجواء المناسبة لحوار يمني - يمني للانتقال باليمن من وضع الحرب والدمار الذي يعيش فيه منذ أكثر من ٧ سبع سنوات إلى حالة السلام والبناء. وان الأمم المتحدة بشخص أمينها العام ومندوبيها يبذلون جهودا عالية للوصول إلى هدنة خلال شهر رمضان المبارك والأمة العربية بأغلبية دولها وشعوبها يرون في هذا اللقاء نقطة تحوّل هامة ومقاربة جادّة لوضع خريطة طريق للانتقال باليمن من وضع الحرب والفوضى الى السلم والأمن والإعلان عن هدنة شاملة لمدة شهرين علّها تكون فاتحة أمل حقيقي، وطريقا لإعادة بناء اليمن السعيد. وان منظمة الأمم المتحدة الذي يرمي مبعوثها على حد قوله إلى هدنة دائمة مع وقف شامل للعمليات الحربية وأنها قابلة للتجديد بموافقة الأطراف المجتمعين وهم ممثلي الأطياف السياسية المختلفة بما فيهم الحوثيين، ومن رسميين وبرلمانيين وخبراء في القانون والاقتصاد والإعلام وقادة فكر.

إننا وبعد هذا المخاض الخطير والحرب العبثية الدائرة والتي يدفع اليمن والشعب اليمني أغلى وأثمن التضحيات ولا يستفيد من هذه الحروب غير الذين يزكّون نارها ويطيلون أمدها بين الإخوة ليتسنّى لهم السيطرة والنفوذ وإقامة قواعد عسكرية لقواتهم على حساب اليمن وتاريخه ودوره العروبي والوطني مع أمته العربية الخالدة.

ان الأمة العربية وعلى ما نرى ونعتقد تتطلّع إلى هذا اللقاء الذي يجمع الإخوة اليمنيين على اختلاف قواهم وممثليهم ومكوناتهم بالأمل والرجاء أن يصل إلى خواتيمه التصالحية الأخوية بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد والمكوّن الواحد وليأخذ دوره المأمول قوة وإندفاعة لرفع راية العروبة الحضارية والتحرير للأراضي العربية المحتلة من أعداء الأمة بفلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد صلوات الله عليه ومولد السيد المسيح عيسى بن مريم، ولا يفوتنا الشجب والاستنكار لاجتماع النقب ولكل أنواع التطبيع مع العدو الوجودي الصهاينة ويكفيني في هذا الفعل المُدان أن أذكر بما أمرنا الله رب العالمين على التمسّك به قوله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: بسم الله الرحمن الرحيم: {يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} صدق الله العظيم.

عسى بالأمل والرجاء والإرادات الطيبة أن ينجح اللقاء اليمني - اليمني المنعقد ووأد هذا التقاتل الأخوي والحرب القائمة، فاليمن أرض الحضارات وموئل وأصل كل الذين خرجوا منها للدعوة للعروبة والوحدة وما هو قائم يقتل ويسحق كل أمانينا القومية والوحدوية، وليعود اليمن السعيد قوة وعزّة لأمته العربية.