بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2022 12:03ص أولويات السُّنة بعد الانتخابات: تعزيز الصمود وإطلاق الإصلاحات في المؤسسات الدينية والاجتماعية

حجم الخط
بدأ حصاد الانتخابات النيابية بالظهور وأينعت بعض ثماره وبدأ المشهد السياسي يفرز حقائق ما زرعه اللبنانيون في صناديق الاقتراع، سواء فيما يتعلّق بالقضايا السيادية الكبرى، وما يتعلّق بها من إدارة الصراع مع «حزب الله»، أو فيما يتعلّق بالشؤون الاجتماعية والقيمية، فيما نراه اليوم من ظهور جبهة سياسية اجتماعية تعلن عن نفسها كجهة تريد فرض حالات الشذوذ والزواج المدني على اللبنانيين، باستهداف المرجعيات الدينية والقيم الأخلاقية، وهذا أحد أخطر نتائج الانحراف الانتخابي في الاستحقاق النيابي الأخير.
التضليل والحصاد المرّ للانحراف الانتخابي
على المستوى السيادي وإدارة الصراع مع «حزب الله»، من الواضح أنّ واقع أهل السنّة تأثّر بعاملي المقاطعة التي قادها الرئيس سعد الحريري وأمينه العام أحمد الحريري، وبالدعوة إلى المشاركة التي أطلقها الرئيس فؤاد السنيورة سياسياً وسماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على مستوى المرجعية، وما بينهما تسلّل نوّاب أعلنوا دعمهم للشذوذ وسعيهم لإطاحة المنظومة الأخلاقية التي يعتنقها المسلمون خصوصاً واللبنانيون عموماً.
في بيروت وصل إبراهيم منيمنة ووضاح الصادق بدعم مضمر وملموس من بعض أطراف تيار المستقبل، ليجد الذين غرّتهم شعارات التحرّر أنفسهم قد أوصلوا نائبين يدعوان إلى تدمير الأسرة وإشاعة الفاحشة وتشريع الخروج عن الفطرة.
ذهب بعض أهل بيروت في انحرافهم الانتخابي إلى تجاهل الدعوة الواضحة للسيادة والأخلاق التي مثّلتها لائحة «بيروت تواجه»، برئيسها الدكتور خالد قباني المعروف بأخلاقياته ونظافة كفّه ونزاهته ورعايته للأسرة والتربية الصالحة، وبأعضائها الذين شكّلوا فريقاً لحماية القيم والإلزام بالأخلاقيات السياسية والاجتماعية.
أدّى هذا الانحراف الانتخابي إلى انحراف أشدّ خطورة وإفساداً، لأنّه أكمل في الانحراف السياسي، فهل هذا حقاً ما يريده أهل بيروت؟
إن كان من درسٍ يمكن استخلاصه من هذه التجربة، فهو أنّ التغيير ضرورة، لكنّ التغيير الأعمى كارثة والاستسلام للتصويت الاعتراضي بلا دراية ولا تقييم للأشخاص والبرامج جناية فردية وجماعية يرتكبها الناخبون بحقّ أنفسهم وبحقّ الأجيال الآتية.
تكتمل وجوه الكارثة الانتخابية لأهل بيروت والجبل في إيصالهم نواب الشذوذ منيمنة والصادق، ونجاة صليبا، في أنّ هؤلاء جسّدوا الفشل الأكثر بشاعة في السياسة، وبدل أن يتمسّكوا بالثوابت السيادية، تحوّلوا إلى تلامذة في مدرسة نبيه بري وإلى هواة يلعبون في ساحة «حزب الله» مقدِّمين له الهدية تلو الأخرى، في الاستحقاقات الدستورية، ومسقطين أولوية وحدة المعارضة للحزب وهي التي أصبحت خارج قبضته بشكلٍ واضح.
ضرورة التصويب والإصلاح
نجح أهل بيروت والمناطق في كسر المقاطعة، لكنّهم في السلوك الانتخابي، لبعض شرائحهم، لم يستطيعوا الاختيار بالشكل الملائم لمصالحهم، وهذا ما ظهر من سلوك بعض النواب الجدد. ومن الواضح أنّ نواب الشذوذ لديهم أولوية تدمير المجتمع المسلم وأنّ شعارات المواجهة مع «حزب الله» وركوبهم لموجة 17 تشرين كانت من «عدّة الشغل»، وهذا يستدعي من النخب السنية في بيروت والمناطق أن تتعامل مع الانتخابات النيابية بنتائجها والتحرّك لتحصين المجتمع المسلم وذلك من خلال خطوات متكاملة، أبرزها:
- البناء على الإيجابيات التي حصلت في المعركة الانتخابية، وخاصة رفع منسوب الثقة بالقدرة على الفعل والتأثير والتغيير، إذا اجتمعت الجهود وتلاقت على مشروع وطني سيادي إنمائي.
- العمل على تفعيل القدرات السنية في مختلف المجالات، وتأطير تعاونها في دوائر عملية، فلا يجب أن تكون هذه المساعي محصورة بالجهد النيابي، خاصة أنّ الانتخابات البلدية باتت قريبة، وستكون محطة هامة لتصويب جزء من الخلل الذي شابَ الانتخابات النيابية.
وفي هذا الإطار، هناك حاجة ماسّة لتعاون أهل الكفاءة والمبادرات والاختصاص في المجالات السياسية والإنمائية والاجتماعية والثقافية وتفعيل التواصل بين الجمعيات والمؤسسات العاملة لوضع استراتيجيات مشتركة ترفع من قدراتها وتعزّز الشفافية والقدرة لديها على العمل المؤسساتي الناجح.
- الالتفات إلى إصلاح شؤون أهل السنّة والجماعة، وخاصة ما يتعلّق بمؤسسات دار الفتوى، وبشكل محدّد: الأوقاف والمحاكم الشرعية، لما لهاتين المؤسّستين من أهمية في معالجة الكثير من القضايا التي يعاني منها المسلمون.
كذلك، ينبغي الالتفات إلى المؤسسات الاجتماعية والتربوية لإصلاح أوضاعها وإعادة تأهيلها وفق ثوابت دار الفتوى الدينية والأخلاقية، والدفع لتأمين مصادر الدعم لها، بعد تخليصها من براثن التراكمات والروتين وتطهيرها من حالات الاختراق والفساد.
- السعي لرفع نسبة الوعي السياسي والديني والاجتماعي مما يرفع منسوب المشاركة الإيجابية في المبادرات الإصلاحية والتعاون لتحقيق الأولويات الضاغطة على الجميع.
متى تنطلق شرارة الإصلاح؟
إنّ ما جرى في هذه المرحلة ينبغي أن يشكّل شرارة لإنطلاق عمليات الإصلاح في مؤسساتنا الدينية والاجتماعية، وهذا سيشكّل عامل تقوية وتحصين لأهل السنّة والجماعة لمواجهة الاستحقاقات الآتية، سواء في السياسة أو الاقتصاد والتنمية أو الاجتماع، وسيضع النواب الجدد أمام واقع مختلف يدفعهم إلى التموضع في مساحات تحفظ الحدّ الأدنى من حقوق أهل السنّة والجماعة، ولا تسمح لبعضهم بممارسة القبائح السياسية والمنكرات الأخلاقية، وتمنع بعضهم الآخر من مواصلة مسيرة التنازلات وبيع الحقوق، باسم «الاعتدال» ولو ارتدى لبوس كتلة نيابية تقمّصت الدور نفسه لتيار جعل الاعتدال عنوان التنازلات العبثية التافهة.