في العام الماضي كانت الأمور قد بلغت نهاياتها الكارثية في لبنان. لم يعد ذلك البلد الجميل والحلم الذي رافق اللبنانيين في محطات كثيرة من العمل والتنمية وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد اتفاق الطائف، وفي مسؤولية وطنية كبرى تحمّلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدعم من المملكة العربية السعودية، وبذل حياته في حب لبنان وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية البغيضة، والعدوان الإسرائيلي المتكرر، من مرافقه الحيوية وصروحه الجامعية والصحية والرياضية، فكان إعمار وسط بيروت المدمر، وإعادة الحياة إلى أسواقه التجارية، ووضع لبنان مجدداً على الخريطة العالمية، وجعله مركزاً لاستقطاب الاستثمارات والمغتربين والسواح من كافة أنحاء العالم. تطوير وتوسعة مطار بيروت - رفيق الحريري الدولي، بناء مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي، وإنقاذ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية من الديون. بناء المدينة الرياضية في بيروت، الجامعة اللبنانية في الحدث - مدينة الرئيس رفيق الحريري الجامعية، ومنح جامعية لأكثر من ستة وثلاثين ألف شاب وشابة للدراسة في لبنان والخارج. أوتوستراد بيروت - الجنوب، أوتوستراد بيروت - الشمال، وأوتوستراد بيروت - ضهر البيدر.
شواهد إنسانية وإنمائية لشخصية وزعامة وطنية واستثنائية خاضت كل الصعاب في رمال السياسة اللبنانية المتحركة، فأبت التخلّي عن الحلم الذي كلما كاد ينتهي تراه يتجدد مع قوة صبر وإيمان وتجديد عزيمة منذ تولي الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية في الفترة الأولى بين العامين ١٩٩٢-١٩٩٨ في عهد الرئيس الراحل «إلياس الهراوي». في هذه الفترة تحقق النمو الاقتصادي سريعاً، وانخفض التضخم بنسب كبيرة، واستقر سعر صرف الليرة اللبنانية، إلا أن العراقيل وتعطيل الأعمال والمشاريع الإنمائية التي كان يطمح إليها على مستوى كل لبنان كما العاصمة بيروت، والتحديات والتهديدات كانت تتزايد أمام الرئيس رفيق الحريري قبل وأثناء الفترة الثانية لرئاسته الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس «إميل لحود» بين العامين ٢٠٠٠-٢٠٠٤.
في الواقع لم تكن رؤية «رفيق الحريري» لبناء الدولة، وعمله الدؤوب، ومحبة الناس له، وشعبيته الكاسحة على مستوى كل الطوائف في لبنان لتروق للكثيرين من الخصوم وأصحاب القرار في الملفات الداخلية والإقليمية، وجاء القرار السوري بفرض التمديد للرئيس لحود ليضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي وقرار مجلس الأمن رقم ١٥٥٩ الذي نص على وجوب بسط الدولة والحكومة اللبنانية لسيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية، وانسحاب القوات الأجنبية من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة.
وفي ٢٠ تشرين الأول ٢٠٠٤ كان بيان الرئيس رفيق الحريري وكلماته التاريخية بعد تقديم استقالته عقب التمديد للرئيس لحود: «إني أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب، وأعبّر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية». وكان ذلك قبل أقل من أربعة أشهر على جريمة اغتياله من قوى الظلام في ١٤ شباط ٢٠٠٥. وفي العام الماضي، في الذكرى ١٧ لاستشهاد الرفيق، كان الرئيس سعد الحريري يستعير كلمات «رفيق الحريري» ليختم بها بيان عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية الأخيرة وتعليق عمله السياسي بعد اقتناعه بانعدام أي فرصة إيجابية في ظل النفوذ الإيراني، والصراعات السياسية والطائفية، والتأثيرات الدولية السلبية على لبنان.
لكن أي لبنان جديد ننتظر؟! وهل من عودة حقيقية للمملكة العربية السعودية والأشقاء العرب إلى لبنان؟ وأي رسالة للرئيس سعد الحريري في الذكرى الثامنة عشرة لوداع الرفيق؟ ليتها رسالة تبعث على أمل، ولا تتوقف عند أسوأ النهايات التي كتبت في العهد الأسود بعد تفجير المرفأ في ٤ آب ٢٠٢٠، واغتيال بيروت وقلب لبنان. واقعنا مأزوم جداً، والإيمان بالله أكبر، وما علينا سوى الانتظار!