بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2023 12:10ص إحالة السياسيين اللبنانيين إلى المحاكم مدخل إلى الاستقرار

حجم الخط
من الصعب جداً وضع حد لحالة الفوضى السياسية من دون إتخاذ تدابير قانونية تردع المسؤولين اللبنانيين عن إهمال تطبيق القوانين، أفعالهم تأخذ طابع تخريبي وعقائدي قوي ويترجم ذلك الأمر بالأوضاع القائمة في البلاد والتي بلغت ذروتها حالياً. إنّ حق المواطن اللبناني في اللجوء إلى مبدأي الضرورة والتناسب للحد من الحقوق والحريات وذلك لما تمثله الحدود المفروضة من خطــر على مصير الشعب اللبناني إذا لم يقع ضبطها في الزمان والمكان وحسب الوضعيات، فالشعب يموت ويُسرق وتُغتال كرامته وحقوقه من قبل هذه الطبقة السياسية القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي.
هناك تحديات متعددة ومتشعبة فالحرية مُصادرة والسيادة منتهكة والاقتصاد ينهار والعملة الوطنية منهارة والأوضاع الاجتماعية سيئة للغاية علماً أنّ شرعة حقوق الإنسان تعتبر أنّ المواطن يتمتّع بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبيّنة بالقانون، ولا يحد من هذه الحقوق إلاّ بقانون يتخذ لاحترام حقوق الغير والصالح العام والدفاع الوطني ولإزدهار الاقتصاد وللنهوض الاجتماعي، وكلها أمور منتهكة من قبل الطبقة السياسية القائمة دونما خجل ووجل.
عملاً بالمادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن على شخصه» كما تنص المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنّ «الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً». وتنص المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز تضييق الحق في التحرر من القتل التعسفي أي أنّ هذا الحق لا يمكن تعطيله في حالات الطوارئ.
هل يعلم المسؤولون السياسيّون عندنا والذين يُعطون الأوامر بضرب المتظاهرين الثائرين على الظلم السياسي المُمارس من قبلهم أنّ المادة الثالثة من مدوّنة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ينبغي أن يكون أمراً إستثنائياً، ومع أنه يكون من المأذون به للموظفين بإنفاذ القوانين أن يستخدموا من القوة ما تجعله الظروف معقول الضرورة من أجل تفادي وقوع الجرائم أو في تنفيذ أعمال الإعتقال القانوني، فهو لا يُجيز إستخدام القوة بشكل يتعدى هذا الحد. كما أنّ الفقرة /ب/ تنص «يقيد القانون في العادة إستعمال القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين وفقاً لمبدأ التناسبية، ويجب أن يفهم أنه يتعيّن إحترام مبادئ التناسبية المعمول بها على الصعيد الوطني في تفسير هذا الحكم، ولا يجوز بأية حال تفسير هذا الحكم بما يسمح بإستعمال القوة بشكل لا يتناسب مع الهدف المشروع المطلوب تحقيقه». هل سأل السّاسة عن مضمون هذا القانون المُشار إليه قبل إتخاذ أي قرار على مستوى قمع أي متظاهر؟ وهل سألوا أنفسهم ما هو سبب التظاهر؟ أليست لقمة العيش وحرمان الشعب من حقوقه؟!
أفعال الساسة عندنا والتي تندرج في حرمان الشعب من أبسط حقوقه ألا وهي على سبيل المثال وليس الحصر: الطبابة - الغذاء - سرقة المال العام وهدره - التعليم - الوظيفة وغيرها من الأمور هي كناية عمّا يلحظه القانون «الإبادة الجماعية»، ويغضون النظر عن أنّ هناك إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها منذ العام 1948، وتنص على «تعاقب على الإبادة الجماعية سواء إرتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب» المادة الأولى منها وتحدد الإتفاقية الإبادة الجماعية على أنها إرتكاب أحد الأفعال التالية على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إتنية أو عنصرية أو دينية : أ- قتل أعضاء من الجماعة، ب- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأحد أعضاء الجماعة، ج- إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، د- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، إنّ ما يتعرض له الشعب اللبناني حالياً ينطبق على ما تمّ ذكره وبالتالي على هذه الجماعة أن تتعرض للمساءلة القانونية وفقاً للإجراءات المحلية والدولية لأن السكوت عن هذه الجرائم بات بمثابة الخيانة العظمى وبالتالي لم يَعُد مسموحاً لأي مسؤول سياسي أو رجل دين «التطنيش» عمّا يحصل.
إننا كباحثين وكمفكرين علمانيين وروحيين مستقلين ننظر بخطورة بالغة إلى إستمرار تجاهـل السلطتين الروحية المسيحية والمُسلمة والعلمانية المسيحية والمُسلمة لجوهــر المبادئ المستقرة في القانون الدولي واللبناني بشأن الممارسة السياسية وإهدار النظام الديمقراطي وتقويض السلطتين القضائية والسياسية بما يؤدي إلى الإنزلاق بالقوانين الخاصة بحماية الوطن وحماية الحقوق والحريات العامة وتضعف قدرتها على الإضطلاع بوظائفها المستمدة من الدستور والقوانين الدولية.
لذلك وإستناداً إلى المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص «لكل شخص حق التمتّع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في إعتناق الآراء دون مضايقة، وفي إلتماس الأنباء والأفكار وتلّقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما إعتبار للحدود» وإستناداً للمادة 21 والتي تنص «1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثليين يُختارون في حرية. 2- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة، 3- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال إنتخابات نزيهة تُجرى دورياً بالإقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت»، كما أنّ المادة 28 تنص على «لكل فرد حق التمتّع بنظام إجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما». وإستنادا إلى المادة 371 من القانون اللبناني والتي تنص على: «كل موظف يستعمل سلطته أو نفوذه مباشرة أو غير مباشرة ليعوق أو يؤخر تطبيق القوانين أو الأنظمة أو جباية الرسوم أو الضرائب أو تنفيذ قرار قضائي أو مذكرة قضائية أو أي أمر صادر عن السلطة ذات الصلاحية يعاقب بالحبس...».
يثبُت في الوقائع أنّ ساسة لبنان يستغلون نفوذ وظيفتهم صراحة داخل نطاق علمهم الوظيفي السياسي وذلك إساءة إلى الثقة الوظيفية العامة وإساءة إستخدام السلطة وهي قانونياً فعل جرمي يُسيء إلى الوظيفة العامة بما يستدعي إحالة السياسيين إلى المحاكم لإجراء المقتضى القانوني وهذا الإجــراء هو بمثابة مدخل إلى الاستقرار اللبناني الذي طال إنتظاره.

* كاتب وباحث سياسي