بكل الإخوّة والاحترام والحرص أخاطبكم وان كنت في مقام قد لا يسمح لي بمخاطبتكم سوى اني مواطن عربي أصيل في عروبتي. نقدّر مشاعركم ونحرص معكم على حفظ بلدانكم ووحدة شعوبها، ونفخر بأن وطننا لبنان كما ينص ميثاقه الوطني ودستوره جزء لا يتجزأ من أمته العربية وهو عضو مؤسس في جامعة دوله العربية. هذه من مبادئ لبنان الثابتة وجودا وحياة ؛ كيانا ودولة وشعبا وان كان في السياسة والسياسات جماعات لبنانية جنحت سواء بتحالفاتها أو علاقاتها نحو ما تراه مفيدا لها وهذا لا يغيّر من حقيقة انتماء لبنان وهوية شعبه العربية مقدار بوصة واحدة.
لقد شهد لبنان خلال مسيرته من بعض أحزابه مثل هذا الجنوح. ورأينا سابقا كلما أمطرت سماء موسكو يحمل التابعين لها في لبنان الشماسي (المظلات) فماذا كانت النتيجة. فالسياسات متغيّرة والشعوب هي الباقية. هذا من جهة لبنان واللبنانيين، أما ماذا من جهة دولنا العربية وخاصة دول الخليج العربي، هل ما أنتم فيه من تعامل مع لبنان وشعبه هو المسار السليم؟ من حقنا عليكم ومن موقع الإخوّة العربية التي لا انفكاك منها ولا بديل عنها لا أميركيا ولا غربيا ولا أوروبيا ولا عثمانيا ولا فارسيا ولا كل انتماءات الأمم وتعدّدها وتنوّعها ونحن وطن وشعب عربي واحد وجزء من أمة اختصّها الله تعالى ببعث كل أنبيائه على أرضها المباركة، فالسيد المسيح وُلد فوق ترابها بفلسطين والنبي محمد (#) وُلد بمكة المكرمة قبلة المسلمين قاطبة وجعلها خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. فيا أصحاب القرار في دولنا العربية ان تخلّيكم عن لبنان واللبنانيين وعدم العون والمساعدة وان لا تذر وازرة وزر أخرى فتح أبواب لبنان على الفراغ القاتل ولكل الرياح والعواصف خيرها وشرّها، تخلّيكم عن لبنان دولة وشعبا فسح المجال لأصدقاء وخصوم لبنان تسريع الخطى اما للمساعدة وهي مشروعة لأن الصديق وقت الضيق واما لوضع قدم للسيطرة والإمساك والوصاية وضياع لبنان الوطن. تخلّي دولكم عن لبنان ودول عربية أخرى أوجد فراغا قاتلا في المنطقة العربية أغرى بآخرين من الدول صديقة وعدوّة للحلول محلّه طالما الأبواب مشرّعة وهذا مسلك الدول عادة إلا القادرين على حماية الوجود وتحرير البلاد من المحتلين. ان الإخوّة العربية تقتضي من الحريصين على الأمة ودولها التقارب والتعاون والتعاضد خاصة عندما تكون احدى دولها في ضيق شديد أو محنة خطيرة للحؤول دون سيطرة أحد أو وصاية لأحد أو حصار أو عقوبات ضالة ومضللة من أحد. فالمقاطعة من دول عربية لإحدى دولها يصيبها الخراب والتخريب وفتح المناخ لحروب عربية - عربية كما هو حاصل بسوريا العربية قُبلة دول المشرق العربي وكما هو حاصل في العراق قلعة الأسود والفداء وفي دول عربية أخرى من المغرب العربي ولنتذكّر ان لسوريا يعود الفضل الأكبر لنزع أسلحة المليشيات صانعي الحرب الأهلية في لبنان.
وكذلك الحرب الدائرة في اليمن وهي جاثمة فوق كل قلب عربي يدعو الله بإنهائها ووضع حد حاسم لها لما تسببه من استنزاف خطير للأمة وقدراتها وثرواتها ولرجالها، أليس من يعمل بجديّة ونوايا صادقة لوقف هذه الحرب وأطرافها الحقيقيين المملكة السعودية وإيران والالتزام بالقاعدة الشرعية بقوله جلّ جلاله في الآية ٥٩ من سورة النساء {فان تنازعتم بشيء فردّوه الى الله والرسول}. وسارعوا الى إصلاح ذات بينكم وأعيدوا التضامن الإسلامي - العربي والدعوة للدول العربية منفردة ومجتمعة بوقف مقاطعة سوريا وكونوا دولا عربية متضامنة فيما بينكم تحمون أوطانكم وبلدانكم وتحافظون على شعوبكم. ونأمل من حكماء الأمة، ملوكا ورؤساء وأمراء، العمل لوقف الحرب في اليمن المستنزف ليعود اليمن السعيد بعروبته ووقف أية مداخلات أجنبية، ودعونا نقتدي بزعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر الذي رفض إهدار نقطة دم عند وقوع حركة انفصال سوريا عن مصر وقال على أثرها ليس المهم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية لكن المهم أن تبقى سوريا، وبالتالي مسارعته مع الملك فيصل رحمهما الله تعالى بوقف حرب اليمن، والنزاع الدائر وقتها بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني ودعا الى مؤتمر قمة عاجل بالقاهرة ونجح بوقف النزاع العسكري الدائر بينهما وعلى أثر ذلك دفع حياته ثمنا لها وكانت إرادة الله بوفاته التي هزّت الكون كله.
لقد آن الأوان أن تسارع الدول العربية وجامعتها الغائبة والمغيّبة عن قضايا الأمة الى التوقف والتفكّر مليّا بأحوال الأمة العربية وما هو دائر في بلدانها وعلى شعوبها وما يرسم من مخططات خبيثة ترمي الى التفتيت والتقسيم وحروب وصراعات أهلية - أهلية أو الإمساك والسيطرة والنفوذ والذهاب بدون أدنى تردد الى التضامن العربي مبعث القوة الوحيد وحافظ وحدة أوطانها وأمن واستقرار شعوبها ولنا في الحديث الشريف وقائله القدوة الحسنة (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
بمثل هذه المواقف تعود الأمة الى سابق عهدها من القوة والهيبة والدور القيادي لها مع الدول الصديقة التي ناصرت الأمة ضد الاعتداءات الصهيونية وحلفائها وضد الاعتداءات الوحشية يوميا على فلسطين والقدس الشريف وعلى كل الشعب الفلسطيني وعلى دول عربية أخرى.
وختاما لمقالتي اسأل الى متى غياب الإرادة السياسية العربية بالتعاون والتكامل تعويضا لغياب الوحدة العربية الجامح تحقيقها لدى الشعب العربي المجيد؟