في زمن أحوج ما يكون فيه لبنان إلى رجال الحكمة والحوار والإعتدال غادرنا إلى دنيا الحق إمام الحكمة والإنفتاح والوطنية الصادقة الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، رافضاً أن يكون شاهد زور على هذه الحقبة السوداء من تاريخ لبنان.
لم يكن الراحل الكبير رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى وحسب، بقدر ما كان إمام الوحدة الإسلامية، التي كان يعتبرها دائماً المدماك الأساس للوحدة الوطنية، وصمام أمان للشراكة الإسلامية المسيحية، التي جعلت من لبنان «وطن الرسالة»، كما وصفه البابا بولس السادس.
مكانته المميزة عند الإمام المُغيّب موسى الصدر جعلته أحد الفرسان الأوائل للنهضة الشيعية التي تابع مسيرتها بكثير من العناية والتركيز سلفه الإمام محمد مهدي شمس الدين، الذي حرص أن يكون الشيخ عبد الأمير قبلان المؤتمن على إستمرار الرسالة النهضوية، وعلى الحفاظ على أسس الوحدة الإسلامية في إطار الصيغة الوطنية بين مكونات الوطن من مسلمين ومسيحيين.
جمع بين تواضع العالِم وحزم القائد، ورفض كل مظاهر الجاه والاستكبار، وخصص الوقت المناسب للمراجعات من أصحاب القضايا الإنسانية والإجتماعية والعائلية التي كان يعمل شخصياً على متابعة معالجتها حتى تصل إلى نهاياتها.
كان عالماً متعدد الثقافات، يطوف بقراءاته المتنوعة في آفاق العلوم الدينية والفلسفية والأدبية، ليُنسج فكراً إنسانياً يتمتع بالنضوج والإنفتاح ، وقبول الآخر وإعتماد مبادئ التسامح والمحبة، ونبذ التطرف والتعصب والتقوقع من أي جهة كانت. ولكن وقار العالِم وهيبة المركز لم ينالا من أسلوبه العفوي في الكلام، ولا من ظرافة حديثه وتعليقاته اللاذعة التي ذهب الكثير منها مثلاً في الوسط السياسي.
إعتبر إمام الحكمة «اللواء» منبراً إسلامياً بقدر ما هي منبراً وطنياً، لأنه كان يشجع أساليب الإعتدال والحوار والتلاقي بين مختلف الديانات والثقافات، التي اعتمدتها «اللواء»، في السياسة، كما في الفكر الديني والثقافة، والتمسك الدائم بقواعد الوسطية في معالجة الإشكالات الوطنية. وعبّر عن تقديره للمؤسسة بإهدائه درع «الوحدة الوطنية» بإسم المجلس الشيعي الأعلى لأسرة «اللواء» في حفل حرص على إقامته في منزله.
الإمام عبد الأمير قبلان إنضم إلى قافلة القادة الكبار الذين يفتقدهم لبنان في محنته الراهنة، التي يعبث بها حكام لا علاقة لهم بالحكمة والاعتدال، ولا بالحد الأدنى من المسؤولية الوطنية.