بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 حزيران 2022 08:38م اجتماع عون وميقاتي : تشريح المسودة الحكومية وتذكير بمعايير التأليف والشراكة الدستورية

حجم الخط

توحي افتتاحية تأليف الحكومة الجديدة من خلال ما جرى أول من أمس في اجتماع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ، وما تلا ذلك من تسريب التشكيلة وردود الفعل والردود المضادة أن اجواء التشكيل في العموم لن تكون ميسرة بالكامل حتى وإن بقيت قنوات التواصل مفتوحة بينهما. وفي الواقع ليس مستبعدا أن يحصل ذلك في اقرب فرصة لاسيما أن الرئيس عون سيعرض أمام الرئيس ميقاتي ملاحظاته على الصيغة وقد يشهد الأمر المزيد من الأخذ والرد والنقاش .

وفي أغلب التقدير أن رئيس الجمهورية لن يتنازل عن حقه الدستوري في التأليف، كما أن رئيس الحكومة المكلف سيدافع عن حقه في تقديم الصيغ والتشكيل أيضا، على أن مفتاح قيام الحكومة الجديدة، يبقى في قيام نية حقيقية وجادة لهذا الهدف .

وغدا يعقد الاجتماع الثاني بين عون وميقاتي بعدما بادر رئيس الجمهورية إلى الاتصال بميقاتي واتفق معه على اللقاء للتداول في التشكيلة الحكومية التي تسلمها منه . فالمسودة التي قدمت في خط اليد تشوبها وفق مصادر سياسية مطلعة عدة شوائب وذلك في مجرد الأطلاع عليها . وتقول هذه المصادر لصحيفة اللواء أن ثمة ملاحظات تتصل بتوزيع الحصص والمناطق والطوائف دون إغفال مبدأ التعاون الذي قام بين رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي.

وتعرب عن اعتقادها ان الصيغة بدت وكأنها تجاوزت بعض المواقف التي صدرت و لاسيما من رئيس الجمهورية وعدد من الكتل النيابية حول ضرورة تأليف حكومة سياسية ، ويتضح من خلال القراءة الدقيقة لها أنها بقيت حكومة نوعا ما تقنية ولم تراعي ذلك مع العلم أن الرئيس عون وبعض الكتل شددوا على أنه نظرا إلى دقة المرحلة وحساسيتها ، تبقى المشاركة السياسية في الحكومة مسألة مطلوبة.

وتلفت إلى انه قبل التكليف، ساد نوع من التفاهم الذي يقوم على عدم توزير نواب فائزين أو مرشحين خسروا الانتخابات النيابية حتى لا تكون الحقائب الوزارية نوع من جوائز ترضية للخاسرين، وهنا اتضح حصول خرقين تمثل بتوزير النائب جورج بوشيكيان والفائز في الانتخابات الأخيرة في وزارة الاقتصاد وإن تبدلت الحقيبة التي يتولاها من الصناعة إلى الاقتصاد ، وتوزير النائب سجيع عطية الفائز أيضا في الانتخابات النيابية في وزارة المهجرين . وهذا الأمر بالذات لا بد من أن يشكل موضع تساؤل.

ومن بين الملاحظات التي تسجل في ما خص المسودة، فهي تبديل وزراء الطاقة والأقتصاد والمهحرين الذين ينتمون إلى حصة رئيس الجمهورية في حكومة تصريف الأعمال، في حين لم يصار وفق المصادر نفسها إلى المساس بأي وزير من ضمن حصص الأفرقاء الآخرين، فبقي وزراء الثنائي الشيعي والسنة والمردة والاشتراكي والطاشناق .وتوضح المصادر أنه تم منح كتلتي الطاشناق والاعتدال الوطني تمثيلا مباشرا في الحكومة في حين أن الرئيس المكلف احجم ذلك عن بقية الكتل ، كما أن الرئيس المكلف أجرى التبديل في حصة رئيس الجمهورية من دون أي تشاور مع عون .

وفي سياق متصل، تتحدث عن تبديل في مذهبية بعض الوزراء ولاسيما وزراء الطاقة والمهجرين والأقتصاد والصناعة ، في حين لم يلحظ أي تبديل في مذهبية حقائب أخرى حتى أن وزارة المال ستبقى من ضمن حصة الشيعة ، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية سيستوضح الرئيس المكلف عن الأسباب التي دفعته إلى اقتصار إجراء التبديل على هذه الوزارات، علما أن إحدى الوزارات تدخل ضمن توزيع متساو للوزارات الأخرى التي تعتبر اساسية على الطوائف كلها ، لاسيما الطوائف الكبرى. وتقول : صحيح ان التبديل لم يطال مذهبية الحقائب السيادية ، لكنه طال حقيبة من المتعارف على أنها أساسية.

وتلاحظ المصادر نفسها أن الصيغة المقترحة غيبت تمثيل بعض المناطق منها صيدا على سبيل المثال، ما يطرح السؤال عن سبب هذا التغييب مع العلم أنه تمت مراعاة غياب تمثيل منطقة عكار في حكومة تصريف الأعمال وتعويضه في الصيغة الحكومية المقترحة .

وتقر المصادر بأن ما جرى مؤخرا حول تسريب المسودة و الذي على الرغم من تسببه بضرر على المناخ الذي كان يمكن أن يسود خصوصا أنه استوجب ردات فعل ونفي متبادل، لكنه لن يؤثر على المنحى الديمقراطي لملف الحكومة. وبالتالي سيلتقي عون وميقاتي  للبحث في النقاط التي اعتراها "الخلل" في التركيبة وصولا إلى التفاهم حولها، لاسيما أن ثمة معلومات تفيد أن لرئيس الجمهورية ملاحظات على أداء وزراء لم يطالهم التعديل واقتصر الأمر على الوزراء المنتمين إلى حصة عون .

وفي هذا السياق، تقول المصادر أنه ليس من المقبول أن يعامل رئيس الجمهورية بالشكل الذي عومل به لاسيما أن علاقته مع ميقاتي كانت جيدة، وكان التعاون بينهما في الأشهر الماضية أكثر من جيد ، مستغربة كيف ترافق هذا التطور مع كلام عن رغبة لدى البعض في تعطيل تأثير رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة ،مع العلم أن الرئيس عون هو الشريك الدستوري في عملية التأليف، وهو من يملك التوقيع الأخير .

وهنا يمكن التوقف عند تحذير اطلقته مصادر في التيار الوطني الحر مؤخرا بشأن التعاطي مع رئيس الجمهورية والذي يتصرف بواقع أن الأشهر الأربعة الأخيرة من ولايته مماثلة للأشهر الأربعة في بداية ولايته ، وبالتالي ليس واردا لديه التنازل عن حقه الدستوري في أن يمارس شراكته في تأليف الحكومة وفقا لما فعل طوال السنوات الست الماضية من عهده.

واذ تشدد على تجاوز ما صدر من مواقف في الفترة التي تلت تقديم ميقاتي صيغته الحكومية واقفال باب الجدل حول التسريبات وما رافقها من ردود الفعل ، تشير إلى ان المهم لدى الرئيس عون الاتفاق على تشكيل الحكومة بأعتبار أن المسألة أساسية في المرحلة المقبلة سواء في العلاقة مع صندوق النقد الدولي أو في ما خص خطة الإصلاح أو متابعة مشاريع القوانين المحالة الى مجلس النواب وغيرها.

. وفي هذا الإطار لاحظت بعض المراجع أنه من غير الجائز أن يؤدي تعطيل تشكيل الحكومة الى خلل في دور المؤسسات الدستورية بحيث تكون البلاد أمام مشهد سلطة تشريعية كاملة الأوصاف وتمارس مهامها كاملة في حين أن السلطة التنفيذية "عرجاء " لأنها في مرحلة تصريف الاعمال وبالتالي غير مكتملة الأوصاف ، وهذا الخلل يُناقض الدستور الذي ينص على التوازن بين السلطات والتعاون فيما بينها.

إلى ذلك لا تريد المصادر المطلعة على موقف بعبدا الأخذ بما روّجته بعض المصادر السياسية والإعلامية عن أن الرئيس ميقاتي قدّم هذه الصيغة كي تُرفض لأنه ليس راغبا في تشكيل الحكومة، وتعتبر أن مثل هذه المقاربة لا تأتلف مع ما كان يعلنه الرئيس ميقاتي وما كان قد توافق عليه مع رئيس الجمهورية وأعلنه في أكثر من مناسبة.

وامام تفنيد كل هذه الملاحظات، ليس هناك من شك أن الصيغة الحكومية المقترحة لن تجد لها أي صدى مقبول في بعبدا وبالتالي ينتظر أن يخضع ملف تأليف الحكومة إلى تداول ثان وثالث ورابع ربما، قبل أن يعرف مصيره النهائي، فإما تبصر حكومة العهد الأخيرة النور أو يبقى تصريف الأعمال متصدرا إلى ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية..