بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 نيسان 2020 12:01ص اجتماع «قيادات طرابلس» حول تحديات «كورونا» والحرمان غيابٌ للآليات وخشية من تسلّل التجاذبات

حجم الخط
حقّقت قيادات طرابلس إنجاز الصورة والبيان، واندفع القائمون على اجتماع «هيئة التنسيق» ليروّجوا لأهمية الإنجاز الحاصل وليبنوا عليه التصوّرات المتفائلة لقادمات الأيام ولطمأنة أهل المدينة بأنهم ليسوا وحدهم وليسوا متروكين لمصيرهم، وأنّ هناك من يتحمّل المسؤولية ولا يدير ظهره لأبناء مدينته في المحن وأنّ بالإمكان النجاح في امتحان مواجهة الوباء والجوع.

لا شكّ أن الجهد المبذول يستحق التقدير، فالاجتماع مطلوبٌ والتنسيق ضروريّ والتعاون واجب ملزم في وجه تحدياتٍ غير مسبوقة يتعثر العالم في مواجهتها وتلقي بأثقالها على طرابلس المحاصرة أصلاً بالحرمان والتهميش وسلب الحقوق، والمبادرة تسجل للرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي.

حمل البيان الذي تلاه الرئيس ميقاتي جملة نقاطٍ مطلبية موجّهة إلى الحكومة اللبنانية، أهمها:

- إيلاء طرابلس وسائر مدن الفيحاء ووادي النحلة، بل وكل الشمال اهتماماً استثنائياً في خطة دعم الأسر الأكثر حاجة، واعتماد العدالة في التوزيع.

- الطلب إلى وزير الداخلية والبلديات إيجاد حل سريع لإعادة تفعيل العمل في اتحاد بلديات الفيحاء، ولإعادة تفعيل عمل بلدية الميناء حتى تتمكن بدورها في هذه الأزمة.

- تعزيز قدرات مستشفى طرابلس الحكومي في التصدي لوباء «كورونا» وتخصيص أماكن للحجر الصحي وتجهيزها بما يلزم لأداء المهمات المطلوبة فيها.

- إعادة أبناء الفيحاء الموجودين في الخارج.

- إيجاد حلٍّ جذري لاكتظاظ السجون بإقرار قانون العفو العام عن السجناء.

وثمّن المجتمعون مبادرة بلدية طرابلس بتخصيص مبلغ ثلاثة مليارات ليرة لبنانية من أموال المكلفين لتوزيعه على العائلات المحتاجة وأثنوا على جهود القطاع الصحي في التصدي لوباء كورونا، وطلبوا من المؤسسات والجمعيات الخيرية والأهلية تكامل الجهود تحت مظلة البلدية، لتوحيد قاعدة بيانات المستفيدين من خدماتها للتمكّن من مخاطبة الجهات المانحة بشفافية ووضوح.

وخلص المجتمعون إلى تأليف لجنة متابعة وتنسيق دائمة لإبقاء التواصل مستمراً في ما بينهم على مشارف شهر رمضان المبارك، على أن تكون مهمة هذه اللجنة إطلاق حملة للتكافل الاجتماعي، ومتابعة الوضع الصحي في المدينة.

العقبات والمهمّات الضاغطة

مقابل الترويج الإيجابي والأمل بحصول خطواتٍ عملية فاعلة نتيجة اجتماع التنسيق في طرابلس، نضع جملة ملاحظات علّها تسهم في تسديد المسار الذي يواجه عقبات لا يفيد تجاهلُها، بل يجب العمل لتفكيكها سريعاً.

الإشكاليّة الأولى تكمن في سقف الخطاب الذي اعتمده «بيان الأقطاب». فهو جاء منخفضاً في زمن الجائحة والجوع. فإذا كنـّا نواجه حالة طوارئ إنسانية واجتماعية، فإنه وقت استخدام الخطاب الثوريّ الرافض لتهميش طرابلس، ولطرح الخيارات السياسية القصوى، فلا يصحّ اعتماد خطابٍ لن تقرأه الحكومة المركزية سوى أنه رسالة استجداء ضعيفة.

الإشكالية الثانية: إنّ أزمة اتحاد بلديات الفيحاء وما عانته بلدية طرابلس من تصدّعات وصراعات، أدّت إلى إسقاط الرئيس أحمد قمر الدين وإيصال الرئيس رياض يمق، تأكل وتشرب من أيدي «قيادات» المدينة الذين أسقطوا صراعاتهم عليها، واستخدم من كانوا في السلطة أيام الرئيس حكومة سعد الحريري نفوذهم لتقييد مجلس اعتبروه محسوباً على الوزير ريفي، والأزمة نفسها ممتدة في بلدية الميناء وفي اتحاد بلديات الفيحاء، أي أن الساسة خرّبوا العمل البلدي وهم جزء أساس من الأزمة، وهم الآن يتجاهلون أدوارهم في إصلاح ما خرّبوه ليرموا المشكلة على وزير الداخلية محمد فهمي.

صحيح أن شكل الأزمة البلدية في بلديات الفيحاء قانوني، ولكنه في جوهره سياسي، وهو السبب في غياب رئيس بلدية طرابلس رياض يمق عن اجتماع هيئة التنسيق، وحضور رئيسٍ مستقيل (عبد القادر علم الدين) وهذه مفارقة عجيبة تؤكد أن واجب القيادات تخصيص خلوة بعيدة عن الإعلام يتفقون فيها على وقف الصراعات البلدية والوصول إلى أفضل صيغة تسمح للناس بالتعبير عن مصالحها من خلال بلديات الفيحاء. 

هذا هو الامتحان الفعلي للتنسيق والتعاون، لأنه مفتاح تنظيم العمل الإغاثي والطبي والإنساني، وبدون هذا الحلّ ستبقى الجهود متعثّرة وغير ذات جدوى.

وتوقف المتابعون عند التأخر الحاصل في الإعلان عن لجنة المتابعة، وكان يفترض أن تكون جاهزة مسبقاً وأن يكون برنامجُ عملها محضّراً قبل الاجتماع، مع الأمل أن لا يكون السبب دخول التجاذبات عليها، فهذا سيكون مؤشراً سيئاً. وهنا يحضر قول النائب جان عبيد في الاجتماع: «إن لجنة المتابعة تحتاج إلى متابعة».

كما يجب التنبيه من غياب الآلية الواضحة لعمل هيئة التنسيق، حيث كان متوقعاً الإعلان عن صندوق خاص لتنفيذ الطموحات المعلنة في البيان الواعدة بالانتصار على الوباء والجوع.

كان لافتاً كذلك الغياب المستغرب للنائب سمير الجسر والوزير السابق محمد الصفدي، حيث أن التداعي للاجتماع كان من الأهمية بحيث يعطى الأولوية عن أي نشاطٍ آخر.

طرح مشاركون في الاجتماع مسألة أساسية، وهي أن طرابلس ليست مدينة للإستعطاء والشحاذة، وما يجب فعله هو تطوير الإدارة، في ضوء ما يمتلكه المسؤولون وعموم أبناء المدينة من إمكانات وطاقات، وبالتالي إحياء الدور الحيوي لطرابلس من خلال الريادة في التصدّي للأزمة.

وهذا يستدعي الحديث عن طرابلس الكبرى التي تمتدّ من البترون وتنتهي في عكار، وتضمّ 28 نائباً ينبغي التواصل معهم لوضع الخطط والمشاريع المشتركة الحاملة للمصالح الواحدة بين أبناء هذه المنطقة، وصولاً إلى حياكة تحالف وطني من أجل طرابلس والشمال.

وأعرب مشاركون في الاجتماع عن انزعاجهم من أن مداخلاتهم لم تؤخذ بعين الاعتبار بعد عرض البيان الختامي للنقاش، متسائلين: إذا كان البيان غير قابلٍ للتعديل أو لحمل عناوين أساسية طرحناها، فلماذا كانت إضاعة وقت المشاركين في النقاش؟

لا يظهر حتى الآن تصوّرٌ واضح حول آليات العمل ودور كل من القوى والشخصيات السياسية في العمل المشترك، فهل ستنجح في مبادرة جماعية واعدة، أم ترتكس إلى التنافس السياسي على جسد مدينة أنهكتها حروب السياسيين على أرضها؟!