بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيلول 2020 08:16ص اشتراطات داخلية وتحفظ أميركي قد تُبطئ المومنتوم الفرنسي

لقاءات ماكرون الثنائية أتاحت له الخروج عن الفكرة النمطية المرسومة لمسؤولين

حجم الخط
خلط إيمانويل ماكرون كل الأوراق: تلك العائدة الى أهل الحكم، موالاة ومعارضة، كما أوراق المجتمع المدني الذي سبق أن قدّم الى واشنطن أوراق إعتماده، وسعى الى تقديمها في الآونة الأخيرة الى باريس. 

أدى خلط الأوراق هذا الى تبعثر الكثير من الأفكار التي تحصّنت به قوى سياسية لبنانية ومدنية في الآونة الأخيرة. فاختلط لديها الحابل بالنابل، وإضطُرّت الى إعادة تقويم مواقفها في ضوء المستجدّ الفرنسي. من هذه الزاوية، على سبيل المثال، يمكن مقاربة الموقف المستجد لوليد جنبلاط الذي أعلن صراحة تبنّيه المبادرة الفرنسية بالكامل، ربما على حساب علاقته بواشنطن راهناً. ومن هذه الزاوية أيضا، يمكن فهم موقف حزب الله المرتاح كليا الى ما يقوم به ماكرون، لا بل هو يسوّق له بأريحية لافتة، وهذا ليس تفصيلا متى أُخذ في الإعتبار الموقف التقليدي للحزب من كل ما هو غربيّ! وكذلك الأمر بالنسبة الى التيار الوطني الحر الذي جاهر منذ اللحظة الأولى بأنه لن يألو سبيلا لإنجاح المبادرة، وفاز في ترتيب علاقة مباشرة وصحية مع الإليزيه أسهمت في تصفية الكثير من الأفكار المسبقة التي كانت قد إستوطنت الرئاسة الفرنسية. فيما لم تستقم بعد علاقة باريس مع كل من القوات اللبنانية وحزب الكتائب، من جهة نتيجة الموقف القواتي من تسمية الرئيس المكلّف وتفضيله الخيار الأميركي، ومن جهة أخرى بسبب الملاحظات الكتائبية على المبادرة الفرنسية والتي لم يستسغها الإليزيه لا شكلاً ولا مضموناً. أما المجتمع المدني فيكاد يكون أكثر من أصيب بالخيبة بفعل ما سمع ممثلوه من إنتقادات قاسية لغياب الرؤية والقدرة على القيادة، والتحصن وراء أوهام زجّ الخارج في الداخل بغية الإنقلاب الفعلي على الطبقة السياسية لمصلحة تنصيهم حكاما جددا.

يقول العارفون ببواطن مبادرة الرئيس الفرنسي، ومفاعيل زيارته الأخيرة تحديدا، أن لقاءاته الثنائية مع عدد من المسؤولين لا تقل أهمية عن طاولة الحوار التي جمعتهم في قصر الصنوبر. ذلك أن الرجل تمكّن في الأسابيع الأربعة الأخيرة من أن يكوّن شخصيا فكرة مفصلة ووافية عن المشهد اللبناني، وعن كل من المسؤولين الفاعلين، بحيث أتاح له ذلك الخروج عن الفكرة النمطية التي سبق أن وُضعت في تصرّفه تأسيسا على التقارير الديبلوماسية والأمنية التي كانت ترفع اليه. بمعنى آخر، أراد ماكرون أن يتعرّف شخصيا على عدد من القيادات، خارج نطاق التقارير، من خلال التواصل المباشر. وهو بات على إتصال هاتفي مع هؤلاء للتشاور والمتابعة والنصح، في موازاة الدور الكبير الذي يقوم به المستشار الرئاسي إيمانويل بون، ومن ثم المدير العام لجهاز المخابرات الخارجية برنار إيمييه. 

ويعتبر هؤلاء العارفون أن المرحلة المقبلة بالغة الحساسية في تحديد مآل استكمال المبادرة، من خلال تسهيل التشكيل الحكومي والاتفاق على البيان الوزاري الذي يشكل هذه المرة، خلافا لكل المرات السابقة، خطة عمل تنفيذية لا مكان فيها للوعود العرقوبية التي أرهقت الحكومات بفعل عدم إقران البيان بالفعل. والتسهيل الى الآن لا يبدو يسيرا، إذ بينت المداولات الأولية أن بعض الإشتراطات المسبقة، كمثل إخراج وزارة المال من مبدأ المداورة، يمكن أن تؤخر التأليف. 

في الموازاة، قد يسهم الموقف الأميركي المائل الى التحفّظ من الحراك الفرنسي، في التخفيف من المومنتوم الذي يراهن عليه الإليزيه، وهو قائم على مجموعة عوامل يراها مساعدة، بدءا من دخول الولايات المتحدة مدار الانتخابات الرئاسية ما يحتّم تراجع الاهتمام بالسياسة الخارجية، وليس إنتهاء بالتقدير الذي اظهرته طهران للموقف الفرنسي – الأوروبي المساند لها في مجلس الأمن (رفض تمديد الحظر الذي سبق أن فرضته الأمم المتحدة على إيرادات السلاح إلى إيران)، وهو تقدير إنسحب ليونة إيرانية حيال المبادرة الفرنسية. 

وتبيّن أن الإدارة الأميركية واكبت الحراك الرئاسي الفرنسي، لكنها في الوقت عينه كانت واضحة في انها تحتفظ لنفسها بحق الفيتو متى إرتأت أنها تتعارض ومصالحها، وخصوصا لجهة إمكان إشراك حزب الله في الحكومة. وقد تبلّغت باريس ان الموقف الرافض لهذه المشاركة لا مساومة فيه. إذ تعتبر واشنطن أن لا مجال للتهاون في كل ما يتعلق بحزب تصنفه إرهابياً وتتهمه بأنه المسبب الثاني لأكبر عدد من القتلى الأميركيين (تفجير السفارة في بيروت) بعد هجمات الحادي عشر من أيلول. وتاليا، من الخطأ تأويل أي موقف أميركي حتى لو كان صادرا عن مسؤولين ديبلوماسيين، في إشارة الى قول مساعد وزير الخارجية دافيد هيل ان الولايات المتحدة تمكنت من التعامل في السابق مع حكومات ضمت مكون حزب الله.