في ذروة التأزم السياسي والاقتصادي والنقدي والمعيشي، بدت القوى السياسية المعنية بتشكيل الحكومة في وادٍ آخر بعيداً عن هموم الناس تتقاتل على حقيبتين وتسمية وزيرين، بينما لم تتضح بعد مساعي حزب الله لتدوير زوايا الخلافات بين الرئيس سعد الحريري والتيار الوطني الحر، وإن كانت بعض المعلومات قد افادت عن تحقيق تقدم في تسمية الوزيرين المسيحيين وبقيت مشكلة منح التيار الوطني الحر الثقة النيابية للحكومة، والتي ربطتها مصادر التيار ببرنامج الحكومة لا بشكلها وتركيبتها، سواء نال رئيس الجمهورية ثلاثة وزراء او ستة.
لكن مصادر متابعة عن قرب للإتصالات نفت التوصل الى اي حلول، لا سيما لجهة ما تردد عن إسناد حقيبة المالية لمسيحي تختاره باريس هو المصرفي والخبير المالي سمير عساف المقيمم في فرنسا وأحد اركان لجنة الرئيس إيمانويل ماكرون لمتابعة الوضع اللبناني، على ان تجري مداورة في معظم الحقائب الاخرى لا سيما الاساسية. وقالت المصادر لـ«اللواء» هل يتخلى الرئيس نبيه بري عن حقيبة المالية بعد المعارك التي خاضها لتكريسها للطائفة الشيعية؟ وهل يتخلى الحريري عن حقيبة الداخلية او العدلية او الاتصالات بسهولة؟ وهل يتخلى غيرهما عن حقائب باتت مطوّبة لهم طائفياً وسياسياً؟ واوضحت المصادر ان الانتظار ما زال سيّد الموقف لبيان نتائج مسعى حزب الله هذا الاسبوع.
مصادر اخرى على تماس مع الاتصالات الجارية، رجحت عدم التوافق على الحلول المطروحة وإبقاء المماطلة أشهراً قليلة بعد، حتى يقترب موعد الانتخابات النيابية في ايار من العام المقبل، عندها يقدم الرئيس الحريري آخر تشكيلة حكومية وفق ما يراه مناسباً ووفق معاييره فيرفضها الرئيس عون، وتذهب البلاد الى مناخ الانتخابات، مع ترجيح عدم تشكيل حكومة جديدة نظراً لضيق الوقت، بحيث تُشرف حكومة تصريف الاعمال على إجرائها، مع ما يعنيه ذلك من تضييع مزيد من الوقت ووصول الازمة المعيشية الى الحد الاقصى الذي لا تحتمله الناس، فتحصل إضطرابات وتحركات شعبية واسعة قد تصل الى حد الفلتان الامني التام والفوضى الخطيرة.
وفي هذا السياق، تُبدي اوساط مقربة من الرئيس ميشال عون والتيار الحر قلقها من إحتمال مماطلة الحريري اكثر لتضييع مزيد من الوقت ووصول الاوضاع المعيشية الى مستوى عالٍ من التدهور، بما يحقق نوعاً من الضغط الشعبي على العهد وفريقه السياسي، ويفيد الحريري في حملته الانتخابية.
لكن المصادر ترى انه اذا فشل مسعى حزب الله، وما لم تتدخل فرنسا ومِنْ ورائها اميركا بعد لقاء وزيري خارجية البلدين في باريس الاسبوع الماضي، واعتماد سياسة الترهيب والترغيب الفرنسية، فلن يتم التوصل الى حلول. وتشير المصادر الى تركيز الوزيرين الفرنسي جان إيف لودريان والاميركي انطوني بلينكن في لقائهما الاخير في باريس على امرين اساسيين يؤشران الى طبيعة الاهتمام المشترك وكيفية التعاطي مع لبنان. الاول تركيز الوزيرين على دعم الجيش بما يعني حفظ الاستقرار الامني والسياسي قدر الامكان، وتقديم المساعدات مباشرة للشعب اللبناني عبر هيئات المجتمع المدني. والثاني تأكيد عدم الثقة بالطبقة السياسية الحالية ودعوتهما الى التغيير عبر الانتخابات النيابية مع التشديد على إجرائها في اوانها.
لكن الوقائع اظهرت ان سياسة الترهيب والترغيب، لم تُفلح حتى الآن في إقناع المعرقلين بالتنازل قليلاً لمصلحة مستقبل البلاد وحفظ الاستقرار، الذي بدأ ينفلت بصورة خطيرة بعد احداث نهاية الاسبوع الدموية. فهل يفتش الفرنسيون والاميركيون عن مقاربات اخرى تحقق الاستقرار اولاً وتفتح الباب امام تشكيل حكومة تحقق الاصلاح المطلوب؟
على هذا دخلت البلاد في سباق بين الفوضى الخطيرة، وبين مساعي الأسبوع الاخير لإيجاد الحل، او التسليم بالذهاب الى الانتخابات النيابية بعد إعتذار متأخر للرئيس الحريري.