بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 نيسان 2020 12:02ص الـ «Haircut» سقط... والباقي أزمة ضمير وفساد

أفكار الخطة الاقتصادية تكرّس غياب الثقة... وغِيرة الطبقة السياسية موضع شكّ كبير

حجم الخط
ما تسرّب من خطة الحكومة الاقتصادية لناحية الاقتطاع من أموال المودعين «Haircut» وأفكار أخرى لا تقلّ تشاؤماً وعبثية، سواء أكان تسريبها بقصد أم من دون قصد، أم كانت طرحاً جدياً أم مجرد أفكار - وهي كذلك - يُعيد النقاش في الأزمة الراهنة إلى مربعه الأول، وهو أن هذا العهد والطبقة السياسية، وذراعها الحكومية، أَعجزُ من أن تذهب إلى عملية إصلاحية مقنعة، داخلياً أو خارجياً، وبالتالي يجدون أنفسهم بين حدّي الرهان مجدداً على سلب أموال الناس من قبل ثلاثي النهب؛ الطبقة السياسية، مصرف لبنان والمصارف، أما الحدّ الثاني فالاحتيال الكلامي على الأسرة الدولية ومجموعة المانحين. إلا أن عدم جدية وجدوى ما سُرّب يرسم علامات استفهام عن الغاية منها، ما إذا كان القصد من طرح هذه الفكرة ذرّ الرماد للتعمية على ارتكابات أكبر وأفظع في الكهرباء والفيول المغشوش والتعيينات وغيرها من ملفات فساد تكاد تغطي بآثارها المدمرة على وباء «كورونا».

في تفاصيل الخطة - الأفكار المسرّبة، أربعة عناوين رئيسية: المالية العامة للدولة وتحقيق فائض في المدى المتوسط (خمس سنوات)، وإعادة هيكلة الدين الخارجي والداخلي، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي التجاري ومصرف لبنان، والسياسة النقدية وسعر صرف الليرة. أما ما يتردد عن نوايا الاقتطاع، فتهدف إلى تعويض جزء من الخسائر المالية المقدرة بـ83 مليار دولار، منها 43 مليار دولار في مصرف لبنان، أي الفرق بين الموجودات والمطلوبات. وهنا تقترح الخطة لتعويض الخسائر عدة طرق كاللجوء إلى المساهمين في المصارف، الدائنون الخارجيون والداخليون، كبار المودعين، إجراءات ضريبية، ومساهمات دولية.

آن أوان العمل القانوني والحقوقي لاعتبار ممارسات المصارف واحتجاز أموال المودعين وتلكؤ السلطات المعنية عن إدانة ذلك أعمالاً إجرامية لا تسقط بمرور الزمن

كذلك يجري الحديث عن اللجوء للاقتطاع من الديون الخارجية والداخلية البالغة 97 مليار دولار، منها 31 مليار دولار دين خارجي والذي يعرف بـ«يوروبوندز» لصالح صناديق استثمارية خارجية ومصارف داخلية ومصرف لبنان، و66 مليار دولار دين داخلي لصالح «المركزي» وبنوك محلية ورجال أعمال، وهذه العملية يفترض أن تتم بعد التفاوض مع الدائنين بالاستناد إلى الخطة الفذّة.

الـ«haircut» سُحب والأزمة باقية

في المعلومات المتقاطعة، أن موضوع «Haircut» قد تمّ سحبه، أقلّه مرحلياً، بعد معارضته من قبل أطراف التحالف الحكومي والأطراف السياسية.. ومن المودعين أيضاً، لأسباب دستورية وسياسية واقتصادية - مالية، ناهيك عن أنها خطوة جائرة وغير عادلة وغير منطقية. فالاقتطاع يحتاج إلى قانون، وفي حال مروره، وهو مستبعد، يمكن الطعن به لأنه يشكل مخالفة دستورية بحتة تطعن طبيعة الاقتصاد اللبناني الحر.

أما في الجانب السياسي، فزيادة عن أن غالبية الطبقة السياسية هاجمت الفكرة وغسلت أيديها منها، لأسباب مبدئية أو شعبوية، لكن ذلك لا يلغي أبداً مسؤولية هؤلاء عن الانهيار الذي وصل إليه البلد.

وفي الجانب الاقتصادي، الأفكار المطروحة تلغي أي إمكانية لانتعاش الاقتصاد المهزوز أصلاً في حال تجرّأت الحكومة على المسّ بأموال الشركات والمودعين والمغتربين، لأن ذلك كفيل بتدمير ما تبقى من ثقة بالاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي وانتشال البلد من أزمته.

في المقابل، يقترح خبراء محايدون، على الحكومة أفكاراً عدة يمكن أن تلجأ إليها لإطفاء شيء من العجز المتعاظم، ومن هذه الاقتراحات وقف الهدر والتهرب الضريبي والتهريب المستمر من دون حسيب أو رقيب، سدّ ثقب الهدر الأسود المتمثل بملف الكهرباء والبواخر والفيول، إنجاز خطة اقتصادية علمية ومنطقية، واستعادة ما يمكن استعادته من أموال منهوبة، وبعدها، التوجه لصندوق النقد الدولي مع خطة انقاذية شفافة وإصلاحية. لكن، بحسب هؤلاء، إن أداء جماعة العهد، وخصوصاً المؤشرات السلبية المتتالية كعدم توقيع التشكيلات القضائية، والتقاتل على التعيينات، والأداء المربك والمتردد والمشبوه والكيدية يرسم ظلال شك كبيرة لإمكانية الذهاب نحو خطة إصلاحية حقيقية، وخصوصاً التوجه نحو صندوق النقد الذي يلاقي معارضة من قبل الثنائي الشيعي للأسباب المعروفة.

هواجس ضرورية

من نافل القول، أن تستجلب الأفكار المطروحة أسئلة ضرورية، خصوصاً وأن السلطة لوّحت بها قبل أي خطوة إصلاح، أعلاها وأهمها لماذا يُفرض على المودعين أن يسددوا من مدخراتهم الخاصة أموال الدولة المنهوبة التي تمت سرقتها من قبل المنظومة السياسية التي أمعنت بالنهب المقونن، وذلك من خلال فرض Haircut على ودائعهم المحجوزة أصلاً بطريقة غير قانونية. فليردوا الاموال المنهوبة وبعدها لكل حادث حديث.

من حيث المبدأ، لقد خانت المصارف ثقة المودعين، وخالفت أصول مراعاة المخاطر، وبدل أن تدفع هي ومن يحميها جزءاً مما جنته من الهندسات المالية الضخمة جدا منذ العام 2015، تذهب باتجاه مصادرة أموال المدعين.

أما الطبقة السياسية، وبدل ان «تعيد» هي من تلقاء نفسها جزءا مما نهبته، تبالغ بالدفاع عن المصارف وإطلاق مواقف ديماغوجية شعبوية توحي بالحرص على أموال الناس والمودعين! هذه الطبقة هي التي استدانت لتمويل الصفقات والرحلات والسمسرات والمحاصصات والكهرباء والبواخر، ثم تأتي اليوم تتباكى على أموال الناس! بمعنى أوضح إن العجز الذي كشفت عنه الحكومة والبالغ 150 مليار دولار رقم خطير وضخم بكل المعايير والمقاييس، والمنطق يفترض أن يتحمل الخسارة الذين استفادوا من المال العام والهندسات المالية.

وإذا كان رفض الهيركات المسرب، دستورياً وسياسياً واقتصادياً، تحصيل حاصل، فان ثمة ملابسات كثيرة تدفع الى الارتياب العميق من غايات ليست نظيفة في مكان ما تطمح لوضع اليد على النظام المصرفي تمهيدا لتغيير في النظام اللبناني برمته بعد التسبّب بانهياره. هذا الكلام لا يعني ولا ينبغي له أن يفعل، أو أن يُفهم، على أنه ثم صكّ براءة للمصارف... للمرة الألف الكارثة الحاصلة يتقاسم التورط فيها كل من الطبقة السياسية ومصرف لبنان والمصارف، الجميع أفاد من نهب الأموال، كذلك لم تتم استدانة أي ديون، خارجية أو داخلية، من دون موافقة الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة... وبالتالي ثمة شراكة في هدر المال العام وضياع أموال الناس.

أكثر من ذلك، إن مسارعة قيادات سياسية وأحزاب الى رفض الخطة، وتحديداً Haircat، من دون طرح بدائل يزيد الارتياب، فهؤلاء لم يرف لهم جفن لما انتهبوا المليارات، وتالياً لا شيء يدعو لتصديق انهم خائفون اليوم على أموال المودعين!

قبل فوات الأوان

وطالما العهد وحكومته غارقون في «سوف وأخواتها»، فقد آن أوان التفكير الجدي، والعمل القانوني والحقوقي المنظّم لـ: اعتبار حجز أموال الناس، ومنع المودعين من الوصول لأموالهم، ومنع بعضهم من تحويل أموالهم إلى أولادهم الذين تقطعت بهم السبل في المغتربات بسبب «كورونا»، ويلحق بها تلكؤ السلطات المعنية عن ادانة هذه الجرائم، وكل ما ينتج من أضرار عن ممارسات المصارف والسلطات المعنية.. أعمالاً إجرامية لا تسقط بمرور الزمن، ويحاسب مرتكبوها بأشد العقوبات، وكذلك العمل على إيجاد آلية ملاحقة وفق القانون اللبناني أو القوانين الدولية، وهي أمور باتت سهلة ومتيسرة وهناك قضايا مشابهة عن ملاحقة ناهبي المال ومختلسيه في كل أصقاع الأرض.

هذه المبادرة التي تأخرت، يجب أن تلحظ دوراً رئيسياً لنقابة المحامين وخبراء المال المحايدين، ولا شيء يمنع من الاستئناس بالخبرات الدولية والقضاء الدولي في التعامل مع هذه الجرائم.

نعم، قصة الدين العام والعجز وخسائر القطاع المصرفي وسرقة أموال المودعين في لبنان باتت أشبه بقصة ابريق الزيت، المواطنون والمغتربون والشركات وضعوا أموالهم في المصارف، ثم جاءت الدولة فاستدانت من المصارف ومن الخارج بفوائد فاحشة، لكن هذه الأموال وبدل أن تذهب لتصحيح القطاعات والتنمية، صرفت هدراً ومحسوبيات ومحاصصات في جيوب السياسيين، وهندسات مالية استفادت منها المصارف.. وبعد أن وقعت الواقعة بإعلان لبنان دولة مفلسة ومتعثرة عن سداد ديونها، تلجأ الحكومة، بدل مصارحة الناس بالواقع، إلى التفكير بابتلاع أموال المودعين من خلال عملية نصب واحتيال وسرقة موصوفة.. مع ما يعنيه ذلك من لعب بخطوط حمر قد تنزلق بالبلد لحرب أهلية جديدة... ثم يأتي من يسأل لماذا الثورة!؟