كانت الديبلوماسية الروسية اعترضت سابقاً على أن يقتصر التباحث في المسألة اللبنانية على المجموعة الثلاثية الفرنسية والبريطانية والأميركية ما دفع باريس إلى تنظيم مؤتمر مجموعة الدعم
يشكو زوار واشنطن من اللبنانيين، هذه الأيام، من جعبة شبه فارغة لجهة الموقف الاميركي من التطورات اللبنانية. فالإدارة التي دخلت عمليا سنة الانتخابات الرئاسية، ينصب جام جهدها على مسألة تحرير رهائنها في السجون الإيرانية، في موازاة النزاع المشتعل مع الصين. فيما يبدو الاهتمام الأكبر محصورا في مكتب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، تُسجّل بعض الإطلالات اللبنانية الطفيفة لرأس الديبلوماسية مايك بومبيو، مع إصرار أميركي مثير على ربط الساحتين العراقية واللبنانية من باب رفض ثوار الساحتين النفوذ الايراني، كأن واشنطن مصرة على إضفاء طابع سياسي على الحراك اللبناني، بما يصبّ حكما في سياق وجهة النظر القائلة بدينامية وإستثمار دوليين لهذا الحراك.
ولا يخفى أن جل الاهتمام الأميركي لبنانياً ينحصر في سبل متابعة سياسة إضعاف حزب الله في لبنان وتقويض دوره الإقليمي، في موازاة قناعة لدى الإدارة بأن استمرار الضغط سيؤدي حكما الى عزل الحزب في بيئته الحاضنة أولا، ومن ثم في البيئات اللبنانية الأخرى.
لكن المفاجئ للمعنيين في واشنطن نتائج إستطلاع للرأي أجرته في بيروت في تشرين الثاني «شركة تجارية محلية لأبحاث السوق تتمتع بمؤهلات وخبرة واسعة وهي غير سياسية بالكامل، مع عينة تمثيلية وطنية شملت ألف مواطن لبناني مع ضمانات شديدة للسرية». بيّن الإحصاء أن «غالبية ساحقة من الشيعة في البلاد لا تزال إيجابية تجاه كل من حزب الله ودولة إيران». ويظهر الاستطلاع ان «نسبة 75 في المائة من السكان الشيعة تقول إن موقفها لا يزال «إيجابيًا للغاية» تجاه حزب الله، في تراجع بسيط عن نسبة 83 في المائة المسجلة أواخر العام 2017 و77 في المائة أواخر 2018. وتمنح نسبة 15 في المائة إضافية الآن الحزب تصنيفًا «إيجابيًا بعض الشيء». يُذكر أن هذه النسبة الإيجابية عمومًا البالغة 90 في المائة في أوساط الشيعة لم تتغير كثيرًا خلال السنتين الفائتتين».
لكن الاستطلاع يبيّن أيضا رأيا سلبيا في البيئات الطائفية الأخرى. فـ51 في المائة من المسلمين السنة يعبّرون عن موقف «سلبي للغاية» إزاء حزب الله، في زيادة بنسبة 10 نقاط عن العام 2018، فضلًا عن 38 في المائة إضافية ذات رأي «سلبي بعض الشيء». أما نظرة المسيحيين حيال حزب الله فقد «تبدّلت بشكل كبير نحو الأسوأ» عما كانت عليه في العام 2018. فأصبحت نسبة 33 في المائة فقط الآن تعبّر أقلّه عن «نظرة إيجابية بعض الشيء» حيال ذلك الحزب مقابل نسبة عالية بلغت 82 في المائة أواخر العام 2018».
يكتفي أحد المسؤولين الاميركيين وهو يناقش جليسه اللبناني نتائج الاستطلاع وما إستخلصته واشنطن لجهة مدى فاعلية العقوبات والضغوط على الحزب وسط بيئته، بالرد بإقتضاب على الموقف من التطور الحكومي الأخير وتقدم أسهم سمير الخطيب. فواشنطن «لا رأي لديها في الأسماء، سواء على مستوى رئاسة الحكومة أو الوزراء. كل ذلك شأن اللبنانيين. وإذا كان لا بدّ لنا من كلام، فنحن فقط ننتظر رأي المتظاهرين، وما إذا كانت الحكومة المرتقبة سترضي تطلعاتهم».
هذه البرودة الأميركية تعكس حقيقة أن نواة الدينامية الدولية هي في مكان آخر تماما. فباريس تتصدّر راهنا المسعى الدولي الرامي الى تضميد المسألة اللبنانية قدر الإمكان، بدءا من المجموعة الثلاثية التي إجتمعت في الأسبوع الأخير 3 مرات بين باريس ولندن. ولا يخفى أن باريس هي التي سعت الى إنعقاد مجموعة دعم لبنان هذا الشهر، وإقترحت في الوقت عينه مشاركة عدد من الدول العربية المانحة كالمملكة العربية السعودية والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة.
وكانت الديبلوماسية الروسية قد إعترضت سابقا على أن يقتصر التباحث في المسألة اللبنانية على المجموعة الثلاثية الفرنسية والبريطانية والأميركية، إنطلاقا من أن لبنان يقع راهنا في صلب الاهتمام الروسي، وأي تطور دراماتيكي فيه يؤثر سلبا على خطط موسكو في سوريا والاقليم. وقد دفع هذا التحفظ الروسي باريس الى السعي الى إنعقاد مؤتمر موسع على مستوى مجموعة الدعم لن يتأثر بالتطورات الحكومية (سلبا أم إيجابا)، وإن لا يزال من المأمول أن تواكب مؤتمر الدعم ولادة حكومية لبنانية على الشاكلة التي يريدها الغربين الأوروبي والأميركي، تستجيب للهواجس والمخاوف وتتمتع بالحصانة المحلية والدولية اللازمة لبدء مسيرة الإنقاذ.