بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آذار 2023 12:00ص الاستحقاق الرئاسي ولعبة الأمم

حجم الخط
الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي هــو أحــد عيوب الحياة البرلمانية اللبنانية، ويعني الإستحقاق الإنتخابي لرئاسة الجمهورية بالتعريف الدستوري إجراء الانتخابات في موعدها. وعلى هذا يكون الإستحقاق الإنتخابي مُلزماً لحضور جلسات الإنتخاب من قبل نوّاب الأمة وليس من حق أي نائب أو تكتُّل التغيُّب عن جلسات الإنتخاب فحالة التغيُّب حالة غير دستورية وغير قانونية وهي مشوّهة للوكالة المعطاة من الشعب لكل نائب يتغيَّب عن الجلسة أو عن القيام بمهامه التشريعية المُلزمة.
الخلل أو العيب التأسيسي يبدأ عند النوّاب الأكارم من عدم إمتثالهم لمندرجات البنود الدستورية والعيب في عدم حضورهم الجلسات وتعطيل النصاب وفذلكات لا تطرأ على ذهن أي مُشرّع. وفي ظل غياب أي قوة دستورية ضابطة أحدثت ظاهرة التعطيل هوّة كبيرة في نظامنا الديمقراطي. والواضح أن كل تكتُّل من التكتلات القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي تستطيع شلّ العملية الانتخابية. ولمّا كانت الطائفية والمذهبية والمصالح الخاصة هي الأساس في هذا الإستحقاق فكانت النتيجة الفراغ القاتل في كل مؤسسات الدولة اللبنانية.
في حالات إنعقاد المجلس الحالي لغاية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية تمّ تجاهـل الدستور وإتفق زعماء البلطجة بعضهم مع بعض على تعطيل النصاب بحجة عدم التوافق على هوية الرئيس وبرنامجه، مُكرّسين تحوّل النظام الديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري أحادي إلغائي حيث يتحكّم في المشهد الرئاسي عدد من الكتل بهذا المشهد بناءً على إملاءات خارجية إقليمية - دولية، وفقاً لنظام محاصصة حزبي شخصي معطوف على مصالح دول تفتك بالسيادة الوطنية وتغييب الدستور.
الظاهــر في هذه المرحلة أنّ الاستحقاق الرئاسي دخل في مرحلة تجاذبات بين أطراف إقليمية - دولية على خلفية إبقاء الساحة السياسية اللبنانية ومن كل أبوابها ساحة صراعات وتصفية حسابات شخصية ذات أبعاد توسعية. الدليل على ما نقوله يظهر مرحلياً خارطة طريق تتصل بشكل وثيق بكل الكتل النيابية على الصعيد الداخلي وظهرت أيضًا لعبة الأسماء في إطار تموضع داخلي - إقليمي - دولي. كل ذلك الأمر يقوم على بدع ومصالح خاصة خارجية وداخلية وعلى حساب نصوص دستورية تحكمها عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
هناك لعبة «كشاتبين» في الإستحقاق الرئاسي، وهناك أكثر من عرض رئاسي تقدّم به أكثر من مُرشح وغالباً ما كانتْ العروض من أطراف أقل ما يُقال عنها أنها «حليفة» وحلفها ظرفي إنتقائي ذات مصالح خاصة، إضافة إلى عروض رئاسية قامت بالتشاطر أي بتبّني مُرشح معين وهي كناية عن جس نبض يُراد منه معرفة وجهة نظر الخارج، فإذا أتى الجواب إيجابياً كانّ التوّسُع في بنود العقد ومواده التي بأكثريتها تعطي الأفضلية لصاحب العقد الأساسي أي الجهة الإقليمية والدولية والفُتات للطرف اللبناني. علمية نصب للدستور وللاستحقاق الرئاسي تُمارس على عينك يا تاجــر، والمُمارس يُحاضر بالعفّة السياسية.
من خلال متابعتي كباحث للشأن اللبناني وبعد تواصلي مع العديد من المرجعيات المخضرمة التي تابعت وما زالتْ تُتابع وفقاً للإمكانيات المتاحة لها حالياً هذا الإستحقاق يظهر أنّ المعالم المتصلة بالتعاطي العربي والدولي مع الإستحقاق الرئاسي وما صدر من كلام منسوب لدبلوماسيين فاعلين بعد الإجتماع الذي حصل مؤخراً في الخارج والكلام ذي مغزى يؤكد أنّ التعاطي مع الإنجاز الرئاسي سيتأخر لفترة زمنية غير محددة ترتبط بالمحادثات الإقليمية - الإقليمية وتحديداً بما تطلبه المملكة العربية السعودية لناحية ضبط حدودها مع اليمن هذا من الناحية الحدودية أما من الناحية اللبنانية فهناك شروط داخلية تضعها المملكة لناحية شخصية ونوعية الرئيس والحكومة والوزراء لكي تنسجم مع الطلبات التي من الممكن أنْ تكون على طاولة المفاوضات فيما خص الوضع اللبناني. والدليل على ما نقوله ما أظهرته الوقائع خلال اليومين المقبلين عن رفض المرشح سليمان فرنجية من قبل بعض المراجع اللبنانية وما أظهرته الردود من تمسُك بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.
الإستحقاق الرئاسي معقّد على المستوى الداخلي فبالعودة إلى الصراعات الداخلية ما إنّ تمّ التلويح بترشيح مرجعية مارونية معينة حتى تبارى أحد النوّاب الأقطاب بمعارضة هذا الطرح. إنّ الإستحقاق الرئاسي يمرُّ أولاً في أخطر مراحله في هذه المرحلة وبالتالي المنطق العلمي القانوني المرتكز على علم السياسة يقول «يجب منع الموتورين من التغلُّب على العقلاء» وذلك خشية من أزمة رئاسية تتمثل بعدم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
إنّ الإستحقاق الرئاسي يمرُّ ثانياً في أخطر مرحلة ألا وهي مرحلة تشابك التدخلات الخارجية الإقليمية - الإقليمية والإقليمية - الدولية، فهذا الإستحقاق يواجه تحديات خارجية غير مسبوقة تتزامن مع تطورات إقليمية ودولية متسارعة والأمر المؤسف أنّ الساحة اللبنانية والإستحقاق الرئاسي هما ورقتي الضغط في هذا الإطار. ومن الملاحظ أنّ عدم التوافق على رئيس جديد للجمهورية تُشاركه حكومة قوية مقرونة بتغيُّرات جذرية في الحركة السياسية تسبب في شكوك متزايدة حول فرض رئيس وفقاً لمصالح لعبة الأمم من شأنه مراعاة المصالح الجوهرية لكل الأطراف التي تُمْسِك بالساحة اللبنانية. وهذا ما يستدعي حركة ناشطة من قبل الذين يحملون شبه برنامج إنقاذي لتفادي حلول قد تأتي على حساب لبنان وشعبه وإلّا سيبقى الإستحقاق الرئاسي رهينة لعبة الأمم وستتعقد الأمور أكثر فأكثر.

* كاتب وباحث سياسي