بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 آب 2020 12:25ص الاستقالات لا تكفي مطلوب إعادة النظر بكل شيء

حجم الخط
أحدث الإنفجار الكارثي في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت زلزالاً على كل المستويات من شأنه ان يُغيّر كل شيء عبر فرض إعادة النظر بكل الاداء السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي وحتى الامني والقضائي، لذلك كان من المستغرب لدى الكثير من الاوساط ان يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الى بيروت القوى السياسية الاساسية الى تشكيل حكومة وحدة وطنية للبحث المشترك في كيفية إنقاذ البلاد، حيث أفادت المعلومات ان ماكرون شدد على توسيع التمثيل السياسي في الحكومة لتوفير اكبر قدر من التوازن والتعاون بين كل الاطراف، برغم علمه ان تجربة حكومات الوحدة الوطنية غير منتجة وغير فاعلة، بل تُكرّس المشكو منه محلياً ودولياً من تقاسم الحصص والمنافع وتكريس الحمايات السياسية للفاسدين، ما يعني عملياً ان لا إصلاح مرتقباً طالما التركيبة السياسية لا تُبدّل ولو مقدار ذرّة في ادائها وخطابها وممارستها.
وإذا كانت ربَّ ضارة نافعة، من حيث ان الكارثة التي اصابت لبنان ودمرت قسما عزيزا غاليا من عاصمته، اسهمت في رفع الحصار المفروض وفتح باب المساعدات العربية والدولية ولو في إطار محدد هو معالجة نتائج هذه الكارثة، إلاّ انها اسهمت ايضا في دفع الوضع السياسي الى البحث عن معالجات جذرية للواقع المشكو منه. ولعل الرئيس ماكرون فتح باب البحث، من خلال اقتراحه تشكيل حكومة وحدة وطنية وتغيير اسلوب العمل، للعمل كما قال، على مجال محدد هو الاصلاح، اما الدعم فيأتي تلقائياً بعد تغيير الاداء وتلمس نتائج محددة لخطوات الاصلاح.
ومن النتائج السياسية الفورية للكارثة ايضاً، استقالة النواب من المجلس النيابي، مروان حمادة وسامي ونديم الجميل والياس حنكش وبولا يعقوبيان وميشال معوض، والاستقالة الملتبسة للنائب نعمة افرام، بعد ما اعلن النائب ميشال ضاهر خروجه من «تكتل لبنان القوي» ودعوته «النواب المستقلين للتعاون جميعاً في موقف واحد بعيدًا عن الاصطفافات والحسابات الشخصية الضيقة لخدمة هذا الوطن. على ان يليها الاستقالة من مجلس النواب اذا فشلنا في التغيير». وكذلك استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي والذي تلته امس استقالة وزيرة الاعلام ندى عبد الصمد والمعلومات المتضاربة عن استقالة وزير التنمية الادارية والبيئة دميانوس قطار، اعتراضاً على عدم الانتاجية الحكومية، وبعدما لمسوا جميعاً نواباً ووزراء ان الاداء القائم من ضمن المؤسسات الدستورية لا يُقدّم ولا يُؤخِر في بقاء الوضع على ما هو عليه من انهيار كبير.
هذه الاستقالات غير كافية لكن من شأنها ان تفتح الباب امام مراجعة سياسية للقوى الاخرى التي رفضت الاستقالة ما لم يتم الاتفاق المسبق على البدائل السليمة، ومنها إجراء انتخابات نيابية مبكرة قد تغير المشهد السياسي والتوازنات القائمة، شرط الاتفاق على قانون انتخابي جديد غير مفصّل على قياس القوى السياسية الحالية، ويأتي بقوى جديدة سياسية ومن المجتمع المدني ممن لديها افكار ومقترحات عملية ومنطقية وعلمية للخروج من الازمات المالية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية ولتصحيح الوضع الاداري الفاسد وخلق آليات عمل جديدة. وهي شروط لا تبدو متوافرة حتى الان، لأن اكثرية القوى السياسية ترفض التضحية بنفسها من اجل الانقاذ ولحسابات متضاربة ومختلفة بين الفرقاء، إلا اذا فرض المجتمع الدولي على هذه الطبقة التزام التغييرات والاصلاحات المطلوبة من باب توفير الدعم الكامل للبنان.
يبقى السوال الأهم، هل تفتح استقالة بعض الوزراء وتلويح آخرين بالاستقالة، الباب امام التغيير الحكومي، وبأي شروط وبأي بدائل. واي مهمة ستتولاها الحكومة الجديدة في حال تشكّلت سريعاً، واي اولوية ستضع امامها: استكمال الاصلاح واقتلاع الفساد والمفسدين، ام إعادة إعمار بيروت، أم المهمتين سوياً؟ 
لعل قول رئيس الحكومة حسان دياب امس الاول: انه «لا يمكن الخروج من الأزمات إلّا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وانه مستعد لتحمّل المسؤولية لشهرين وادعو للاتفاق على المرحلة المقبلة»، يكون مفتاح البحث عن المخارج المعقولة التي لا تزيد الفوضى والانهيار في البلاد، فالاستقالات وحدها لا تكفي ما لم تقترن بحلول بديلة وسريعة تنقذ الوضع اللبناني من الموت غير الرحيم.