بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 أيار 2023 12:00ص الانتخابات والدبابير

حجم الخط
تعيش البلاد اليوم على وقع الهزات الأرضية، وعلى وقع الهزات الإنتخابية، وحين نستيقظ كل صباح، نتلمّس أنفسنا، ما إذا كنا قد أصبنا بهذه الهزات أم بعد.. ما إذا سقط السقف على رأسنا، أم بعد.. لأن عنف هذه الهزات، قد بلغت النفوس، قبل أن تبلغ الأجساد. فلا زالت الكيانات بخير، وإنما الشأن شأن النفوس التي أصابها التشويه، أضاعت الطريق، وصارت لا تعرف الصباح من المساء.
بعد الزلزال المدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، تجاوز لبنان عقدة الزلازل الأرضية، أقلّه لهذا العام، أو لعامين مقبلين، كما يقول علماء الزلازل. لكن زلزال الإنتخابات، لا يزال مستحكما به، على الرغم من مرور زلزال الانتخابات الأولية: المخاتير والبلديات. وصارت الانتخابات الرئاسية، حديث القاصي والداني.. صارت حديث البلد. فتشوّهت النفوس وأخذت تظهر على أصحابها الأمراض القديمة والجديدة. صارت الجدران تعلو يوما عن يوم بين أعشاش الدبابير، على الرغم من الورشة القائمة في الإقليم حولنا، لإزالة الجدران، ومد يد التعاون بين الجارتين التاريخيتين: السعودية وإيران.
بسقوط جدران العزل السياسي، كان لا بد أن تقع البلاد تحت هجرة الدبابير. كان لا بد لها أن تتعرض لهجمتها الشرسة، وخصوصا أن نار الاستحقاقات، صارت على الأبواب، ولا بد من مواجهتها وردّها، لئلا تقع البلاد كلها فيما تتحسّب له، بألف حساب وحساب.
سارعت الوفود إلى لبنان، تستطلع الأجواء، وتهدّئ النفوس، وتقف على آراء جميع الجهات، وخصوصا على آراء القيادات. اقتحمت أعشاش الدبابير، ولكنها خرجت صامتة، لم تعلن عما جرى من أحاديث، ولم تكشف لنا النوايا المبيتة للدبابير. سارع الموفد القطري، والموفد الإماراتي، والموفد الإيراني، وكذلك السفير السعودي، للوقوف على خاطر الدبابير في أعشاشها، لكننا حتى الآن لم نلمس تقدّما، في ملف الانتخابات الرئاسية، سوى الإيماءات والإشارات، والتلويح بالمناديل البيضاء والحمراء والسوداء، للدبابير. وكذلك التحذير من الخطر المداهم ببلوغ الشهر، بلا رئيس للحاكمية، بلا رئيس للبلاد.
الدبابير هي نفسها، تراها وقد عمدت إلى بناء الجدران في البلاد، كل يوم ترفع جدارا، كل يوم تدشّم جدارا، والوقت يداهمنا، والوفود تروح وتجيء، دون إحداث خرق، في أي جدار من الجدران. تلوّح بالعقوبات على الدبابير، ولم نرَ بعد أي خرق في ساحة الانتخابات، لأن الدبابير لا زالت ماضية في التعشش داخل الجدران.
حاكمية مصرف لبنان، في خطر، مع بلوغ الشهر. العملة الوطنية في خطر. المجتمع كله في خطر. الدولة كلها تنهشها الأخطار. والانتخابات الرئاسية، لا تزال عالية السقوف، عالية الجدران، لم يؤثر فيها تطبيع العلاقات في الإقليم، على الرغم من الزيارات المتكررة لأعشاش الدبابير. على الرغم من البيانات المتكررة، بأن السفارات، لا شأن لها بالانتخابات، على الرغم من «جولة العروس» التي قام بها السفير السعودي على الجميع.
فلا تزال الدبابير على موقفها من الانتخابات الرئاسية، تمشي الهوينى، لا ريث ولا عجل.. كل على موقفه، شاكي السلاح، ربما هو ينتظر، ما بعد الحرب في أوكرانيا، أو ربما ينتظر، ما بعد الحرب في السودان.. ربما هو ينتظر ما بعد حروب غزة أو ربما غيرها، أو ربما ينتظر، إنتهاء عصر الحروب.. آنئذ، تلقي الدبابير سلاحها، وتعود إلى رشدها، وتنزل جميعا، إلى البرلمان. 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية