مع غياب أستاذي العميد البروفيسور رامز عمار تنطوي صفحة من تاريخ الجامعتين اللبنانية والإسلامية، التي كانت غنية بالكبار الذين ولدوا ليلعبوا أدوارهم عبر مشاركتهم وحضورهم في كلية الحقوق والعلوم السياسية من أجل أن يستعيد لبنان هويته الوطنية الأصلية.
ويبقى العميد عمار حيّاً في ظهرانينا بالإرث العلمي الكبير الذي تركه، في قوله وفي مواقفه وفي أفعاله... وهي الصفات التي تميٌز بها وطبعت المسيرة الطويلة لحياته الأكاديمية والوطنية والاجتماعية.
كما تقتصر حصيلة التاريخ على القليل من الرجال أمثال العميد عمٌار الذين اختاروا ويختارون أن يكونوا فاعلين ومميّزين ولهم الأثر الفاعل والمميٌز.
هذه هي مشاعر كل من التقيناه وكانت له حكاية مع العميد وعشرة عمر ورفقة درب طويلة، كانت تضج بالحياة والقرارات الوطنية.
كما ان الصفة العصامية في شخصه هي التي جعلته مرجعاً في بلده، وهي التي قرٌبته إلى الجمهور والبسطاء من الناس، وفرضته أحد رموز الجامعتين اللبنانية والإسلامية، الذي لعب دوراً كبيراً في نهضتهما، وميٌزهما بمشاركته ليضعهما جنباً الى جنب مع كبار الجامعات العربية والأجنبية. فما من وثبة قامت بها هاتين الجامعتين إلا وكان للعميد طرفاً في إيصالها، بل إن أكاديميته العميقة هي التي غذٌت الثقافة اللبنانية الجامعية وأعطتها الألق الذي صنّفها رائدة التجدد المعاصر في الوطن العربي الكبير.
لقد آمن العميد بالدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه في وطنه الصغير، فساهم في إدخال التعليم العالي في صميم معركة نهضة لبنان، وكان حريصاً مع رئيسة الجامعة الإسلامية البروفيسورة المولى على أن يقنعا كل بلد عربي بأن لبنان موجود بقوة على الساحة الأكاديمية، وأنه قادر على أن يكون معطاءً للعرب والمسلمين عندما يكوٌن ذاته ويعيش باستقرار وأمان.
كما كان العميد من أوائل الذين ناصروا قضية تحرير فلسطين وتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. وامتدت يده لنصرة الطلاب المقاومين من كافة الجنسيات والطوائف. كان وطنياً بامتياز، لا يعرف الطائفية ولا المذهبية، مؤمن بعروبة لبنان، وبضرورة نصرة القضايا الوطنية المحقٌة. كان يعرف كيف يؤدي دور الناصح لكل تلميذ أو صديق أو أخ، وكان يهمّه أن يحتفظ لنفسه بحب لبنان والوطن العربي وتضامنه معهما ومشاركتهما الأحلام الكبيرة.
وكان في جملة ما كان، حريصاً على دور الأجيال الجديدة التي تأتي بعده.
وكم من موهبة لم تكن لتعرف طريقها الى التألّق لولا أن مدٌ يده إليها بالتشجيع والرعاية.
وكان أكثر ما يكون اهتماماً بالتقرب إلى من يرى فيه طاقة خاصة لخدمة وطنه وجامعته، وقد كان اعتزازه الكبير بلبنان، كما كان يسعى لخدمة الكفاءات التي يحجبها عن العمل الوطني نقص أو ضيق في مكان ما بسبب النظام اللبناني الطائفي الذي يقسو في بعض الأحيان على خيرة أبنائه وأصدقهم.
اليوم نودٌع أحد أهم فقهاء القانون في لبنان والوطن العربي الشاسع والمحترق في شوق إلى النور. وسيظل لبنان يذكر العميد عمار كلما رأى علمه وتحسٌس في ثناياه تلك الروح الطاهرة التي مزجت أروع مزج بين أصالة المورث وقدرة العصامية غير المحدودة على العطاء على فهم العصر.
ونقدٌم تعازينا القلبية الحارّة ومواساتنا الأخوية المخلصة الى عائلة العميد عمار، معبٌرين لهم عن مشاعر التعاطف والأسف لرحيله ونسأل الله جلّ جلاله أن يسبغ على الفقيد العزيز أثواب عفوه ومغفرته، ويتغمٌده بواسع رحمته ورضوانه، ويسكنه فسيح جنانه في عليين، ويلهم أهله جميل الصبر والسلوان، والسكينة وحسن العزاء، وألا يريهم مكروهاً بعده.
* محامٍ وأستاذ جامعي