بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الثاني 2021 12:00ص التحدي.. خط أحمر ... ماذا لو تفشى جنون البشر؟!

حجم الخط
ما يطفو على سطح الأحداث المتسارعة في هذا العالم ومن ضمنها لبنان بالطبع، يجعل المراقبين والمتابعين يتوقفون ملياً أمام مجريات الأمور وتداعياتها على مختلف الصعد، محلياً إقليمياً ودولياً.

الحدث الأبرز قد تجلى بالأمس في العاصمة الأميركية واشنطن بتنصيب الرئيس جو بايدن إلى سدة الرئاسة في الجمهورية العميقة، فدخل البيت الأبيض من بابه الواسع العريض بعد أن اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ولو بطريقة غير مباشرة بهزيمته في الانتخابات الأميركية الأخيرة، وغادر إلى فلوريدا للاكتفاء راهناً بممارسة هوايته المفضلة بلعبة الغولف وربما بمتابعة التطورات أيضاً من بعيد. في حين أن الرئيس بايدن وإدارته الجديدة، بدأوا منذ اللحظة الأولى لتسلم مهامهم الرسمية بإعادة تصويب الأمور لناحية ما كان ترامب قد أقدم عليه واتخذه من قرارات جائرة وغير مسؤولة تجاه بلدان عدة ومؤسسات ومنظمات دولية لها دورها وتاريخها الفاعل، كما عمل على إلغاء اتفاقيات كانت بلاده قد وقعت عليها من قبل.

يكاد لا يخفى على أحد أن الهم الأكبر الذي يتربص بإدارة بايدن الجديدة هو مجابهة جائحة كورونا والحد من أخطارها بالوسائل المتاحة عن طريق اللقاحات المعتمدة، إضافة إلى مواجهة الركود الاقتصادي وتفاقم البطالة، ناهيك بالإنقسام الحاد بين الأميركيين في هذه الآونة، وفي عدّة ولايات في بلاد العم سام، على أن تشهد الأيام والأسابيع والأشهر القليلة القادمة بحسب كل المعطيات المتوافرة المتداولة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الأميركية، إضافة إلى مكاتب الدراسات التي تُعنى بمواكبة المرحلة الراهنة والمقبلة في الولايات المتحدة الأميركية، متغيرات جذرية وأساسية ستعتمدها الإدارة الجديدة على مبدأ أن مرحلة ما بعد ترامب لن تكون كما قبلها على الإطلاق. وأن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس بايدن،لا سيما الخارجية منها، تتخذ منحى جديداً يُعيد تصويب البوصلة والإنفتاح علىالخارج من جديد للإنطلاق بمسيرة مختلفة سياسية واقتصادية بشكل خاص.

كل ذلك يجعل الانتظار سيّد الموقف بالوقت الراهن ريثما تنجلي صورة الأوضاع المتسارعة والواقع المستجد في الولايات المتحدة مع ما يترك ذلك من تداعيات وخلفيات وتردّدات تكاد تشبه إلى حدّ كبير «زلزالاً سياسياً» بكل ما للكلمة من معنى، وما على الجميع إلا مواكبة التطورات هناك على مدار الساعة حتى يظهر الخيط الابيض من الخيط الأسود واستكشاف كيف ستُدار الأمور من داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية إضافة إلى مجلسي النواب والشيوخ وغيرها من المؤسسات الأميركية لا سيما بعد تعرض الكابيتول مؤخراً إلى ما تعرض إليه والذي ترك آثاراً سلبية وخطيرة للغاية، لا بل مخيفة حول مستقبل الديمقراطية في تلك البلاد لولا أن تمّ تدارك الأمور قبل فوات الأوان حتى هذه اللحظة، واستطاعت السلطات الأمنية الأميركية المختصة لجم الأوضاع والتفلت الأمني والسياسي إلى حدّ كبير.

الحدث الثاني، هو محلي بامتياز ... لا بدّ من خلاله وضع النقاط على الحروف خاصة بما يتعلق بموضوع تشكيل الحومة الجديدة في لبنان، لا سيما بعد أن آلت الأمور إلى ما وصلت إليه على صعيد فشل المساعي والإتصالات المتلاحقة التي جرت ولا تزال تجري في السر والعلن ومن وراء الكواليس لإعادة تحريك مسار تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري في أقرب وقت ممكن بعد أن بات الإنهيار الشامل في لبنان «على باب قوسين» أو أدنى، كما وأن المجتمع اللبناني بأسره أصبح مهدداً بكل أطيافه ومكوناته، في حين أن الطبقة الحاكمة من مسؤولين وسياسيين هم بدورهم قد يصلون إلى مرحلة يعجزون خلالها عن لجم التفلت السياسي والاقتصادي والصحي وربما الأمني أيضاً - لا سمح الله-.

من هنا، تابعنا على مدار الأيام والساعات القليلة الماضية سلسلة اجتماعات واتصالات، منها ما أُعلن عنها، ومنها ما بقي طي الكتمان، أبرزها تحرك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الأخير بين المقرات الرئاسية الثلاث في بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، في محاولة منه لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين المسؤولين كافة، حيث تؤكد المراجع المطلعة والمتابعة لهذا الشأن ان الرئيس دياب لم يستطع حتى الآن تذليل العقبات من أمام التحضير لزيارة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا، قد تساهم في كسر الجليد بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف سعد الحريري خاصة في ضوء الشريط المسرَّب والكلام المنقول عن الرئيس عون بهذا الخصوص، كما وأن تحرك اللواء عباس إبراهيم، الذي يأتي دوماً في أصعب المراحل والظروف لإطفاء الحرائق السياسية بين المسؤولين يصب في خانة العمل على تبريد الأجواء وإزالة التشنجات بين من يُنتظر منهم، في هكذا مراحل خطيرة تجتازها البلاد حالياً، أن يُحكِّموا العقل والمنطق، وأن يكونوا على قدر المسؤولية لإخراج لبنان واللبنانيين من هذا النفق المظلم والخطير، أضف إلى كل ذلك مبادرة بكركي والبطريرك الراعي والتي يسعى عدد من الوسطاء من خلالها إلى إعادة إحياء الروح والتواصل بين المسؤولين كافة علّ وعسى أن تثمر تلك الجهود أجواء إيجابية من شأنها أن تقود إلى تحقيق الهدف المنشود منها بعد فقدان الود بين الرئيسين عون والحريري مما يستدعي إعادة ترميم تلك العلاقة على أسس واضحة وجديدة لما فيه خير لبنان، على أمل أن يُدرك كلٌّ من الرئيسين عون والحريري مدى خطورة الأوضاع الحالية في هذا البلد، وعلى أمل أن يوضع حدّ لكل من يحاول التدخل لفرض إرادته أو أفكاره ومطالبه بطريقة أو بأخرى عندما يحين الوقت لوضع الأوراق على الطاولة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وطرح الأسماء والحقائب والحصص إن كان بالنسبة لعدد الوزراء أو توزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب والأحزاب والتيارات السياسية كمن يتقاسم «قطعة الجبن» من دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان العليا والتفرغ لمواجهة الأزمات المتراكمة التي تتسارع يوماً بعد يوم في بلد نخرته سوسة الفساد والسرقات والسمسرات والصفقات حتى العظم.

يبقى  الهاجس الصحي في لبنان هو الأهم، وما الأوضاع الكارثية التي وصل إليها البلد نتيجة تفشي وباء كورونا بشكل مخيف وخطير إلا نذير بأنه قد يكون أن الأمور قد خرجت عن السيطرة ولم يعد بالإمكان ضبطها، إلا من خلال تطبيق قرارات الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع القاضية بمنع التجول إلا بموجب أذونات خاصة مع استثناءات محدودة للغاية، على أن يتابع المجلس في جلسته المرتقب انعقادها اليوم في قصر بعبدا اتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات في ضوء تقييم المرحلة السابقة والإعلان عن إمكانية تمديد الإقفال التام من عدمه لأسبوعين آخرين أو أكثر.

بالعودة قليلاً إلى الوراء، هل لنا أن نتذكر معاً مراحل سابقة شهد فيها العالم أوبئة وأمراضاً خطير للغاية وعلى سبيل المثال لا الحصر انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير وجنون البقر، والتي تمّ التعامل معها في حينه على أسس غير إنسانية أو اخلاقية على الإطلاق من قبل معظم دول العالم حيث تمّ إعدام تلك الكائنات الحيّة حرقاً بشكل جماعي في مزارعها وبأعداد هائلة دون رحمة أو تمييز أو مراعاة لأبسط المعايير، تحت حجج وذرائع أنها تشكّل خطراً على الإنسانية والبشرية جمعاء.

ترى ماذا لو قُدِّر لمثل تلك الطيور والحيوانات أن تحكي حكايتها اليوم، ماذا عساها أن تقول أمام ما يواجه الإنسان حالياً من وباء كورونا الخطير، وبالتالي هل يا ترى كادت تطلب من كل من له يد طولى وقدرة أن يحكم على البشر بمثل ما تمّ الحكم عليها في حينه، والجواب على مثل هذا السؤال يبقى رهناً بالضمير الإنساني والبشري إذا كان لا يزال هناك من ضمير في هذا العالم.

هناك من يقترح في ظل عدم اتساع المستشفيات الحكومية والخاصة في لبنان لسرير واحد لمصابي كورونا، حيث باتوا يوضعون في الممرات والأروقة ومواقف السيّارات والكافيتريا في المستشفيات لمعالجة من يمكن معالجته من هذه الجائحة، بأن تفتح أبواب كل قصور المسؤولين والسياسيين وبيوتهم ومراكز الأحزاب والتيارات وأن يخصص فيها أجنحة لمعالجة مصابي الكورونا، وأن يُصار إلى وضع طواقم تحول عائلات وزوجات وأبناء المسؤولين والسياسيين والحكام المتسلطين على رقاب البلاد والعباد إلى ما يشبه الطواقم الطبية لتقديم الخدمة والعلاج لأولئك المصابين بالكورونا بطريقة أو بأخرى لا سيما وأن كل أولئك طالما تغنوا وتشدقوا على مدار الأيام أنهم في خدمة النّاس والشعب، فكيف بالأمر إذا ما بات الجميع الآن تحت المجهر، وما عليهم جميعاً إلا أن يتجاوبوا مع هذا الاقتراح لتلبية نداء الواجب الوطني والإنساني تجاه النّاس الطيبين، فهل هم قادرون على قبول هذا التحدي، وعندها فقط يمكن القول أنهم «خط أحمر»، و«فوق رأسهم خيمة» وأيضاً يمكن القول عندها «الله ينجينا من جنون البشر»...