بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الثاني 2020 12:09ص التدقيق الجنائي.. قرار المجلس النيابي.. إسمع تفرح، جرِّب تحزن!؟

حجم الخط
أما وقد تبعثرت الأفكار وتاهت في خضم الأحداث المتسارعة التي أفرزتها التطورات ولا تزال ان كان في لبنان أو في العالم مما يجعلنا أكثر ترقباً وتحسباً ودقة في مواكبة كل ما يجري من حولنا محلياً واقليمياً ودولياً للبناء عليه في رسم صورة تعكس مجريات الأمور على الصعيد اللبناني بشكل خاص ومن ثم الوضع الإقليمي والدولي عامة.
في بلد كلبنان مزقته الانقسامات الطائفية والمذهبية والفئوية والمناطقية مجتمعة على مدى سنوات عجاف، ودمّرته أو تكاد طغمة حاكمة من المسؤولين والسياسيين، مما انعكس على الأوضاع فيه سلباً اقتصادياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً من دون ان يرف لهم جفن أو يحركوا ساكناً جدياً لإنقاذ ما يُمكن انقاذه قبل فوات الأوان، فأنهكوا البلد بأكاذيبهم وألاعيبهم ومهاتراتهم الرخيصة، في محاولة منهم لتبييض صفحتهم أمام النّاس ظناً منهم انهم قادرون على ذلك كما يبيضون أموالهم بالسر أو بالعلن، لكن النّاس بعد اليوم «لن يُلدغوا من الجحر مرتين»، وهم باتوا يعلمون علم اليقين ان من أوصلهم الى هذا الدرك الخطير ليسوا إلا من يتولون شؤون البلاد والعباد، والذين أصبحوا على قاب قوسين أو أدنى من السقوط والفشل نتيجة ارتكابات الفساد والهدر والسمسرات والصفقات والسرقات التي ارتكبوها من دون خجل أو وجل إنما على عجل وفي وضح النهار، همّهم الوحيد التغطية على أعمالهم، وبالتالي التهرب من تحمل أي مسؤولية تجاه ما وصل إليه البلد والناس حتى الآن من شبه انهيار إلى غير ذلك من سوء الأمانة والادارة والتصرف، حتى وصل بهم الامر إلى ذروة الفساد.

أما كيف يحاولون الإيحاء للبنانيين أنهم يعملون على مدار الساعة وليل نهار لاجتراح المعجزات لإنقاذ لبنان واللبنانيين، على طريقتهم طبعاً، فساعة يسمع المواطن اللبناني أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أرسل رسالة وفق صلاحياته الدستورية إلى المجلس النيابي تتعلق بالتدقيق الجنائي لأخذ القرارات الحاسمة بهذا الشأن وفقاً لمصلحة لبنان العليا.
مهلاً فخامة الرئيس، وعذراً، كيف يمكن لنا أن ننتظر الحلول والمخارج لمثل أزمة التدقيق الجنائي والاعتماد على من هم غارقون بالفساد وغافلون عن مصلحة الوطن والمواطن، وبالتالي كيف يُمكن الركون اليهم في البحث عن الحلول والمخارج لمثل هذه الأزمة في حين أن أموال المودعين في المصارف قد احتجزت وتم السطو عليها حتى الآن، كما وان مليارات الدولارات من أموال اللبنانيين والخزينة اللبنانية قد تمّ تهريبها إلى مصارف خارج لبنان لإيداعها في حسابات شخصية عائدة لهم أو لأسرهم، وهل يا ترى ان انعقاد جلسة للمجلس النيابي أو أكثر لمناقشة هذا الموضوع الحساس والدقيق من شأنه أن يشفي غليل اللبنانيين وان يُعيد الحق إلى أصحابه «فالأمل ضعيف بذلك»؟.
أضف إلى ذلك، انه بين ليلة وضحاها استيقظ ممثلو الشعب وبشكل مفاجئ لدرس مشروع قانون انتخابي جديد يلبي طموحات اللبنانيين وآمالهم، فهذا الأمر بالطبع مُضحك مُبكٍ في آن معاً لأن إبراز مثل هذا الطرح، وبهذا التوقيت بالذات، لا يرمي إلا إلى ضياع البوصلة وتحويل الانظار وتشتيت الأفكار خاصة بالنسبة لموضوع التدقيق الجنائي مثلاًَ، نحو أمور أخرى قد تشغل اللبنانيين لكي يضيعوا في متاهات وبنود وتشعبات يلفها الغموض وعدم الوضوح لمثل ذاك القانون باستثناء انه لن يكون الا على قياس واضعيه والمصادقين عليه والمصدقين أنفسهم بأنهم يخترعون البارود وبإمكانهم تمرير مثل هذه اللعبة القديمة الجديدة على اللبنانيين، في حين ان أولئك السياسيين باتوا بنظر الناس فعلاً ماضياً في بلد يبحث أبناؤه عن قادة ومسؤولين وسياسيين للحاضر والمستقبل إنما بنهج جديد وبكف نظيف وعقل سليم وبإدارة حكيمة ناجحة لها رؤية ثاقبة تعمل للوطن كل الوطن ولخدمة النّاس وليس لتكريس الفساد والسلب والنهب والمتاجرة حتى بالأرض والكيان والمؤسسات والوطن من دون رحمة أو حدود.
انطلاقاً من هذا الواقع، لا بدّ من وضع الإصبع على الجرح، لا سيما وان اللبنانيين باتوا يعرفون «الطنجرة وغطاها»، فالأزمات في لبنان تتراكم، بدءاً من تشكيل الحكومة الجديدة الموضوع في ثلاجة الانتظار إلى ما بعد إطلالة العام الجديد وربما يطول أكثر من ذلك، فيما موضوع التدقيق الجنائي سيبقى بدوره موضع أخذ ورد من قبل هذا الطرف أو ذاك بناء على مصالح المسؤولين والسياسيين والحكام خاصة أولئك المتورطين في تهريب الأموال إلى الخارج، أو ممن سطا واحتجز أموال المودعين في المصارف اللبنانية من دون وجه حق على الإطلاق. يضاف إلى كل ما تقدم، إمكانية لجوء مصرف لبنان الى تخفيض الاحتياطي الإلزامي من 17.1 مليار دولار إلى ما يقارب 12 أو 13 مليار دولار، وذلك للاستمرار في دعم سلع أساسية من غذاء ودواء ومحروقات وغيرها، الا ان الخطر في ذلك في حال حصوله من شأنه أن ينعكس على المجتمع اللبناني ككل وان يُشكّل تداعيات خطيرة على حياة الناس المعيشية، ناهيك عن تدهور سعر صرف الليرة مقابل ارتفاع سعر العملة الخضراء بشكل كبير، على أمل ان لا تصل الأمور إلى هذا الحدّ لتدارك الأسوأ قبل فوات الأوان.
إذاً لا بدّ من دق ناقوس الخطر وجرس الإنذار لأن الوضع اللبناني برمته بات على المحك، وقد وصل هذا البلد إلى الخط الأحمر على مختلف الصعد، إلا ان الهاجس الأمني يبقى بالنسبة للبنانيين هو الأهم، والتخوف من الوقوع في المحظور يفرض نفسه من خلال التفلت الأمني مما يترك تساؤلات لدى الجميع عمّا يتردد هنا وهناك بالنسبة لهذا الأمر، الا ان الرهان على ضبط الأوضاع الأمنية منوط بالمؤسسة العسكرية، أي الجيش اللبناني وسائر القوى الأمنية المولجة بحفظ الامن في البلاد، والضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه المس بأمن الوطن والمواطن والسهر على هذا الأمر باستمرار.
وفيما أقرت وأوصت جلسة مجلس  النواب أخيرا، ما كان ينتظره اللبنانيون على صعيد التدقيق  الجنائي حيث أتت التوصية والقرار بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات المالية والبلديات والصناديق كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية أو خلافه، على أمل ان لا يكون ذلك على قاعدة اسمع تفرح، جرّب تحزن، كما كان يحصل في السابق، مع وجوب التأكيد أيضاً على إخضاع كل من تدور حوله شبهة من المسؤولين والسياسيين لهذا الأمر دون مواربة أو تأخير.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو، مَن سيطبّق هذا التدقيق الجنائي في ظل مغادرة شركة ALVAREZ & MARSAL التي كانت ستتولى هذا الامر وفسخ عقدها مع لبنان المتعلق بذلك، اضف الى هذا اننا حاليا في ظل حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال فقط، وبالتالي هل يحق لها الإشراف على تنفيذ قرار وتوصية المجلس النيابي او التعاقد مع شركة دولية اخرى لإجراء التدقيق الجنائي، وهذا الامر قد يتطلب وقتا طويلا ولا ندري الى متى يكون ذلك.
وعلى قاعدة «ممنوع تموت، ممنوع تعيش» سيبقى لبنان ينتظر كل دعم ومساعدة وكل يد تعمل على انقاذه، لا سيما ما يمكن ان يسفر عن المؤتمر الدولي الذي سيعقد في باريس بالشراكة مع الامم المتحدة مطلع الشهر المقبل المخصص لتقديم المساعدات الانسانية للبنان، وهذا الأمر من شأنه ان يمنح لبنان فرصة امل جديدة ولو بمساعدات محدودة تكون بمثابة جرعة دعم اقتصادي وانساني.
ترى ماذا يخبئ العام الجديد 2012 للبنان واللبنانيين والعالم من متغيرات جذرية ومحورية في كل الاقاليم والدول وعلى كل الصعد والمستويات؟ هذا السؤال يبقى رهن ما يُخطط ويُرسم في الغرف المغلقة او حتى في العلن وفق مصالح الدول الكبرى بشكل خاص، لذا لا بد للبنان ان يعتمد على ابنائه اولا ومن ثم اصدقائه والاشقاء لكي لا يذهب ضحية الصراعات الدولية، وان لا ينام هذا البلد على حرير وان يتبع مقولة لا بد منها «عند حرب الدول احفظ رأسك».