بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2021 07:16ص التعصب الديني ومخاطر عدم تشكيل حكومة

حجم الخط
لقد بات واضحاً أن تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان مرده إلى أن واشنطن ما زالت تراهن وتعول على أن الطريقة الوحيدة لالحاق الهزيمة بحزب الله تتمثل بالاستمرار بفرض المزيد من العقوبات عليه، وحتى الاتحاد الاوروبي فقد أعرب عن رغبته بفرض عقوبات على ساسة لبنانيين، إذ هدد وزير خارجية الاتحاد جوزيف بوريل بفرض عقوبات على معطلي حل الأزمة. 

فالمسؤولون الاميركيون يأتون إلى لبنان ويسدون النصح بتشكيل حكومة تكنوقراط على وجه السرعة مقابل منح لبنان مساعدات مالية، ولكن فور عودتهم إلى واشنطن يعاودون الاشتراط بأن لا مساعدات مالية للبنان في حال تمثل حزب الله في الحكومة الجديدة، في حين يواظب التيار العوني على العزف على وتر امكانية ضمور الكيان المسيحي في لبنان وعن أن النصارى ما زال الاحباط يعتريهم سياسياً، وهذا الخطاب عهدناه بشدة منذ بداية العهد وهو الخطاب الذي يبقيه العونيون دوماً في عز شبابه وحيويته وخصوبته بهدف شد العصب المسيحي باستمرار في مناطق جبل لبنان وبعض مناطق الشمال وما كان يسمى بالشطر الشرقي من بيروت تحسباً لخوض أي انتخابات نيابية مقبلة تخول التيار الحصول بموجبها على كتلة كبيرة تولد من رحم قانون انتخابي ضيق مفصل على مقاسه ويفتقر إلى المندرجات الوطنية. 

ويتواصل التباكي وتستمر الشكاوى مما يسمى بالاحباط المزمن الذي وحسب التيار يعتري المسيحيين في لبنان وكل هذه السمفونية تعزف تحت لواء المطالبة باعادة الصلاحيات التي خسرها الرئيس الماروني في العام 1989 اليه، واستمرار المطالبة أيضاً بالحصول على بدعة تدعى الثلث المعطل والآتية من قاموس الخزعبلات و الشعوذات و الخوارق والأساطير، في مقابل بقاء رفض اقرار المادة 95 من الدستور وتشكيل الهيئة الوطنية العليا المناط بها مهمة الغاء الطائفية السياسية، حياً يُرزق انما من أقبية ودهاليز التعصب الديني، وكأن المطلوب ان لا يُستأصل ذلك الورم الخبيث من نفوس الأبرياء والمتهورين من الشباب المسيحي وهو الورم الذي انجبه منذ عقود طويلة نسج خيال اجتاحته الوساوس وغزاه هذيان الاضطهاد الزاخر والمفعم والمكتظ بشتى مفردات الهلوسة بثقافة الاجحاف والتهميش والاحباط الفتاكة والمدمرة، وليس التعصب الديني والطائفية والمذهبية سوى أفعال منافية للحشمة يتوجب على شرطة الآداب حماية الوطن من عهرها المدمر. 

وقد تناسى الشباب العوني أن كبيرنا الاول جبران خليل جبران سبق أن أعلن الحرب على الطائفية والعنصرية عندما قال ذات يوم الأرض كلها وطن والعائلة البشرية عشيرتي. وتناسى أيضاً أن كبيرنا الثاني أمين الريحاني قد قال في كتابه القوميات، في ضعف الطائفية تكمن قوة الأوطان.

لذا فإن الشباب العوني مدعو إلى الترداد مع الخوري نعمة الله فرحات ابن بلدة عبرين البترونية ما قاله في قصيدة القاها في نادي دمشق الاهلي في حيفا قبل حدوث نكبة فلسطين الحبيبة عام 1948:

وما التعصب في الاديان من شيمي

 فكم صببت على أنصاره الغضبا 

لأحمد أم لعيسى أنت لست سوى أخي

وحـبـــك عـنــــــدي واجــب وجـبـــا 

فضلاً عن أن التعصب الديني فعل مدمر لقدسية الحرية لأنه يجلب الجنح والمعاصي التي تؤمن بالحرية المزيفة أي الحرية بلا حدود، وبالمناسبة يقول الفيلسوف العظيم كارل ماكس إن الحرية هي الحق في فعل كل شيء لا يضر بالآخرين، اما الحدود التي يستطيع كل فرد أن يتحرك فيها دون أن يضر بالآخرين فالقانون وحده يحددها. 

وبالعودة إلى مخاطر عدم تشكيل حكومة فأعود بالتالي إلى الموقف الفرنسي الصريح القائل بأنه في حال لم تُشكل حكومة فستكون العواقب على لبنان واللبنانيين كارثية كما انها ستكون مدمرة على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. 

إن مخاطر عدم تشكيل حكومة في لبنان جمة لذا فإن كل الأطراف والأفرقاء مدعوون في المرحلة الاولية إلى عدم التقيد بعامل دولي معرقل للتشكيل كي يكون للبنان حكومة مع العلم أن انتهاج سياسة الحياد في لبنان أمر شبه مستحيل لأن الصراع يدور بين محورين جباريين لهما مؤيدين و مناصرين في الداخل اللبناني. 

لقد نفد المزيد من احتياط المصرف المركزي من الدولار الذي يستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات و الادوية وذلك سيجعل في المحصلة النهائية الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات للمواطن من هنا نحن بحاجة لرؤية نور تبصر منه الحكومة. 

وبالمناسبة لا بد من التذكير بأن الطبقة الوسطى اختطفها الهدر والفساد ثم جندلتها العقوبات، وأعود إلى التقرير الذي أوردته مجلة فورين بوليسي الاميركية تحت عنوان موت الطبقة الوسطى في لبنان بتاريخ 22 أيار 2020 إذ تقول بان لبنان كان تاريخياً أرضاً للبحارى والتجار على البحر الأبيض المتوسط لكن البلد الذي يسعى إلى نيل مساعدات دولية يستفيد منها حوالي المليوني لاجئ سوري وفلسطيني، يجد الآن أن 75% من سكانه بحاجة إلى المساعدة وهم الذين كانوا سابقاً بمعظمهم من المنتمين إلى الطبقة الوسطى. 

وبحسب تقريرٍ أعده مرصد الازمة في الجامعة الاميركية فإن الأسوأ لم يقبل بعد وإن البلاد برمتها ستتدحرج نحو الانهيار إذا لم تشكل حكومة، ويشير التقرير إلى ان السبب الرئيسي للأزمة مرده إلى عدم وجود سياسة متكاملة لمجابهة الازمة الاقتصادية، وبالمناسبة يقول الخبير الاقتصادي العالمي ستيف هانكي بتاريخ 2 آذار 2021 بأن سعر صرف الدولار سيفوق الـ15000 الف ليرة لبنانية في حال لم تشكل حكومة. 

ويجب عدم التناسي بأن لا سقف لارتفاع الدولار في لبنان وهذا عائد إلى ان الصراع في ربوعه هو صراع سياسي تحكمه التجاذبات السياسية اضافة إلى أن الخطاب الطائفي المستشري  يستبد به. 

ومن جهة أخرى تقول المحللة الاقتصادية فيوليت بلعة طالما ان الأزمة السياسية مستمرة ولا تشكيل قريب للحكومة فإن سقف ارتفاع الدولار سيبقى مفتوحاً وسينتج عن ذلك أزمات معيشية واقتصادية واجتماعية وعندها قد يصبح بلوغ النموذج الفنزويلي حتمياً، كما أن التضخم قد يفوق الالف في المائة بعدما كانت الاسكوا قد أعلنت أنه تخطى المئة والخمسين بالمائة، إذ انه كلما ارتفع سعر الدولار سيزيد التضخم في الوقت الذي يتم فيه طبع المزيد من كميات العملة اللبنانية بينما لبنان يحتاج إلى الدولار. 

وفي حال لم تشكل حكومة اليوم قبل الغد فإن ما تبقى من احتياطات قابلة للاستعمال، لم يعد يكفي لأكثر من شهرين كأقصى حد، وقيمتها في أواخر آذار أي قبل شهر تماماً لم تعد تتخطى مستوى 1.5 مليار دولار وهنا سيكون المواطن أمام كارثة رفع الدعم عن البضائع. 

إن لبنان لا يعيش وعكة صحية أو كبوة جواد أو نكسة عابرة، أو نعرة طائفية طارئة بل بات يعيش في عالم النكبات والمآسي وفي حجر صحي دامس تحيط به وبأبنائه أحزمة البؤس و الشقاء و الحرمان.