بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آب 2018 12:02ص التمديد الجديد لليونيفيل: ضغط أميركي غير مسبوق ورسائل بغير اتجاه!

من غير المتوقّع تعديل المهام تحت الفصل السابع لأسباب محلية وفرنسية وأوروبية

حجم الخط
يأتي تجديد مجلس الأمن للقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة ودقيقة ومختلفة عن سابقاتها، ولن يكون معزولاً عن الحسابات المتداخلة للأطراف المنخرطة في النزاع الدائر في المنطقة، وسيتم بالتالي العمل على توظيف هذا الاستحقاق في إطار المواجهة المفتوحة بين محوري أميركا وحلفائها من جهة، ومحور إيران وحلفائها من جهة أخرى. 
يُشكّل القرار الأممي رقم 1701، الذي أوقف الأعمال القتالية بين إسرائيل و«حزب الله» في حرب تموز 2006، المنطلق الأساسي لقياس أداء كل من لبنان الرسمي والقوات الدولية في المهمة الموكلة إليهما بموجب هذا القرار ومدى التزامهما بتنفيذ بنود القرار ومندرجاته، وما الذي لم يُنفّذ وطبيعة الأسباب والتعقيدات التي حالت دون ذلك، إضافة إلى ماهية التحدّيات والقيود التي تواجهها «اليونيفيل» في مناطق تواجدها والتي تحول دون قيامها بمهماتها كاملة.
بالطبع إسرائيل معنية من جهتها، وسيُقدّم لبنان جردة بخروقاتها المستمرة للقرار، لكن ما سيطال الجانب اللبناني سيكون أشدّ وطأة، لا سيما حيال السؤال المحوري المتعلق بمهمة القوات الأمنية اللبنانية في بسط سيطرتها على المناطق التي حدّدها القرار كمناطق منزوعة السلاح غير الشرعي شمال الليطاني، وإمساكها الفعلي بالحدود مع سوريا والمعابر التي تستخدم لتمرير السلاح للميليشيات المسلحة خارج نطاق الدولة، فضلاً عن تفكيك القواعد العسكرية للتنظيمات الفلسطينية التي لا تزال تحتفظ بها على الأراضي اللبنانية.
تُدرك المنظمة الدولية وأعضاء مجلس الأمن أن الدولة اللبنانية ومؤسساتها السياسية والأمنية  يعتريها قدر من العجز عن الترجمة العملية لمختلف بنود القرار بشكل كامل، ذلك أن تلك المهمة ليست منوطة بها لوحدها نظراً إلى ترابط الوضع اللبناني مع أزمات الإقليم وحروبه وأجندات «حزب الله» الخارجية، وما أضفته الحرب السورية من وقائع إضافية. لكنها تدرك أيضاً أن العجز يُخفي في طيّاته نوعاً من التقاعس المجبول بالتواطؤ من جهة، والتسليم والتكيّف من جهة أخرى، بفعل موازين القوى التي تحكّمت بالبلاد لعقود، والتي جعلت تنفيذ اتفاق الطائف وما تلاه من قرارات دولية سواء 1559 أو 1680 أو 1701 أو 2373 مجتزأ ومبتوراً، في ظل غياب قوّة دفع دولية حقيقية.
قد لا تكون تلك الصورة مختلفة كثيراً اليوم، غير أن الجديد الحاصل هو الضغط الأميركي المنتظر أن يواجهه لبنان الرسمي مع استحقاق تمديد مهمة «اليونيفيل». ثمّة حركة مكثفة لمسؤولين أمنيين دوليين قبل موعد جلسة مجلس الأمن. بالأمس القريب كان هناك اجتماع للجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات الأميركية والبريطانية لحماية الحدود البرّية اللبنانية برئاسة قائد الجيش العماد جوزاف عون، في المركز الرئيسي لتدريب أفواج الحدود البرية في قاعدة رياق الجوية، بمشاركة المستشار الاستراتيجي لبرنامج التعاون الأمني البريطاني المتعلق بمشروع ضبط الحدود الجنرال المتقاعد غرامي لامب، وأعضاء فريق العمل المشترك. كان يمكن قراءة الاجتماع على أنه اجتماع متابعة عادي لولا أن ما سيخرج به المشاركون سيُشكّل جزءاً من التقييم العام للقوات العسكرية اللبنانية.
وسيكون لمحادثات وفد البنتاغون برئاسة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي روبرت كارم في بيروت وقعاً أكبر. ربما من المفيد التوقف عند خلفية رئيس الوفد الزائر. هو من أصل لبناني، شغل منصب مستشار للشرق الأوسط لنائب الرئيس آنذاك ديك تشينى في زمن جورج بوش الابن، وممن لهم بصمات على القرار الدولي 1559، وكان من مؤيدي نظرية بوش بانتخاب رئيس لبناني بالنصف زائداً واحداً بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود. زيارة وفد البنتاغون تحمل بُعدين: الأول استقصائي وفق لائحة أسئلة طويلة تحتاج إلى أجوبة من شأنها تحديث المعطيات والنظرة التي لدى وزارة الدفاع الأميركية في سياق تقييمها العام لوقائع المؤسسات السياسية والعسكرية والقيّمين عليها، وكيفية مواءمة أدائهم مع القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701 لجهة البنود غير المنفذة أو تلك التي يتمّ الالتفاف عليها بما يُفقدها فعاليتها.. أما البعد الثاني والأهم، فيتمثل بالرسالة التي يحملها الوفد، وقوامها أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما خص إيران وأذرعها العسكرية، وفي مقدمها «حزب الله»، هي سياسة صارمة، والقرارات التي اتخذت في هذا الصدد جدّية ولا تحتمل أي خرق. صحيح أن وفد البنتاغون ليس من مهامه وصلاحياته البحث في العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران و«حزب الله»، لكن ما يريد الوفد إيصاله هو أن المصلحة اللبنانية تتطلب أن تلعب المؤسسات الأمنية دورها الأساسي المطلوب منها في حفظ الأمن، ومنع أي محاولة لخرق القرار 1701 من قبل الميليشيات المحسوبة على إيران في إطار محاولة تخفيف الضغط عليها من باب أمن الجنوب، أو المناطق التي يمكن أن تستخدمها على الحدود اللبنانية - السورية لتحقيق ذلك. الرسالة تحمل في طيّاتها طلباً صارماً في شأن الترتيبات الأمنية شمال الليطاني، وحثاً للقوى الأمنية على أن تُمارس مهامها بشكل حازم في المناطق الخارجة عن سيطرة «الحزب»، بغية المساهمة في توسيع رقعة بسط سلطة الدولة الفعلية والفاعلة على الأراضي اللبنانية، حيث يفترض ألا يكون هناك امتداد لسلاح «حزب الله» إليها.
من غير المتوقع أن يتم طرح تعديل لمهام القوة الدولية التي ينص عليها القرار وتوسيع صلاحياتها لتصبح تحت الفصل السابع، إذ أن أمام ذلك عقبات عدّة حتى لو أراد الأميركيون ذلك، فحكومة لبنان في مرحلة تصريف أعمال لا تجيز لها اتخاذ قرارات، كما أن الدول المشاركة في «اليونيفيل»، ولا سيما الأوروبية وتحديداً الفرنسية، تعتبر أن هذه المسألة تطال أمنها القومي، نظراً إلى حجم مشاركتها في عديد القوة الدولية، وهي ليست في موقع يسمح لها بالمجازفة.
باريس تعي تماماً مغزى الرسالة التي تمّ إيصالها للقوات الدولية في مجدل زون من خلال الاشتباك الذي حصل مع الأهالي الذين يُشكّلون «سعاة البريد» و«القوة الرديفة» لـ «حزب الله» المنتشرة على الأرض، تماماً كما تعي واشنطن مغزى الرسالة الموجهة إليها إيرانياً من البوابة الجنوبية، وهي تالياً تهدف من خلال زيارة وفد البنتاغون لبيروت إلى أن توجّه رسالة مقابلة، بأن الثمن سيكون كبيراً إذا جرى اللعب بالنار، والثمن هذه المرة قد يدفعه كل لبنان وليس فقط «حزب الله» وبيئته، وليس بالضرورة أن يكون الرد عسكرياً. فقد ثبت أن ثمة سلاحاً يوازي في تأثيره ودماره القوة العسكرية ويتمثل بسلاح العقوبات الاقتصادية والمالية. تجربة تركيا حيّة ومؤلمة بتداعياتها وهي الدولة القوية اقتصادياً، كما هي تجارب روسيا وكوريا الشمالية وإيران. 
الأكيد أن مقاربة مسألة التعرّض للقوة الدولية ستؤول إلى إعادة تسليط الضوء على الفقرات في القرار 1701، والقرار 2373 الصادر عام 2017، التي تؤكد على حق القوّة الدولية في حماية نفسها، ومقاومة محاولات منعها، عبر وسائل القوة، من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن. وهو تأكيد له أبعاد جديدة، على الأقل أميركياً، من شأنه إعادة توفير الدعم المعنوي والزخم الذي حظي به القرار 1701 يوم أقرّ، قبل أن يتراجع نتيجة تراجع الحكومة اللبنانية، وهو دعم له منطلقاته وأرضيته من خلال الغطاء العسكري الذي توفره الجيوش الحليفة في المنطقة، وطيفه يُبعد الشعور بحال عزلة هذه القوّة ما دام التحالف الدولي على مرمى حجر منها، إذا تطلب الأمر «تدخل ما» في لحظة حرجة!